الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فليس من حق الأب أن يؤثر أبناءه في حياته بالهبة دون بناته؛ لأن هذا خلاف العدل الذي جاء به الشرع، وقد قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ {النحل:91}، ولما أراد أحد الصحابة أن يؤثر ابنًا له بالهبة دون بقية أولاده، نهاه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم. والحديث في الصحيحين.
ويخشى على الوالد الإثم بهذه الهبة الجائرة، كما يخشى على الأولاد الإثم بالاستئثار بها، إذا علموا أنها جور، ومثل هذه الهبة باطلة، ترد في حياة الوالد، بل وبعد مماته، عند جمع من أهل العلم، كما بيناه في الفتوى: 376210، هذا إذا تمت الهبة بشروطها المعتبرة في حياة الوالد.
أما إذا لم تتم في حياته، أو وهبهم وهو في مرض الموت، أو كتبه لهم على أن يأخذوه بعد مماته، فما وهبه لهم في كل هذه الحالات، له حكم الوصية، والوصية للوارث غير مشروعة، ولا تمضي إلا برضى البنات، وبقية الورثة، ولا عبرة بما فعله الوالد.
وللبنات الحق في المطالبة بنصيبهن في الميراث مما أعطاه الأب الجائر لأبنائه دونهن، وقد سبق أن بينا أن الجور في الوصية من كبائر الذنوب، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: وَمِن الْكَبَائِرِ: تَرْكُ الصَّلَاةِ، وَمَنْعُ الزَّكَاةِ، ... وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ، وَالْجَوْرُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَحِرْمَانُ الْوَارِثِ حَقَّهُ مِنْ الْمِيرَاثِ ... وَالتَّحَيُّلُ عَلَى إسْقَاطِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ ... اهـ.
وأما ما بناه الأبناء الثلاثة في المزرعة، فلم تبيني لنا هل بنوه في حياة الوالد، وبإذنه، أم بعد مماته بإذن الورثة، أم بدون إذنهم؟ وقد فصلنا حكم ما بناه الابن في أرض أبيه، في عدة فتاوى: فانظري الفتوى: 157969 عن حكم ما بناه الابن في أرض أبيه وفي حياته، والفتوى رقم: 236182 وفيها كلام الفقهاء فيما يقوّم به البيت هل يقوّم قائمًا أم منقوضًا؟ والفتويين: 112423، 117531 وكلاهما عما بناه الشريك في الأرض المشتركة دون إذن بقية الشركاء، وأخيرًا: الفتوى: 149381 عن حكم ما كتبه الوالد لأولاده معلقا بموته.
والله أعلم.