الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فليس لك -أخي السائل- أن تنفق ذلك المبلغ المودع عندك؛ بحجة أنك قادر على رد مثله؛ لأن صاحبه دفعه لك وديعةً، وليس قرضًا، وإن كان بعض أهل العلم قد أجاز للمودع أن يتسلف من الوديعة، إن كان قادرًا على الوفاء، كما بيناه في الفتوى: 307783، ولكن الذي نفتي به هو المنع، فلا تتصرف في المبلغ، والواجب عليك حفظه إلى أن ترده إلى صاحبه؛ لقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا {النساء:58} ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ, وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَالتِّرْمِذِيُّ.
وكذلك بالنسبة لوضع المبلغ في حسابك، فقد كان ينبغي لك أن تستأذن صاحبه أولًا؛ لأنك وإن جاز لك أن تحفظ الوديعة في مكانٍ تحفظ فيه أموالك عادة، لكن وضع المال في حسابك، يترتب عليه خلط المالين ــ مالك، ومال صاحبك ــ بحيث لا يمكن تمييزهما عن بعضهما.
وقد رتب أهلُ العلم الضمانَ على مثل هذا الخلط، وقال بعضهم بعدم الضمان، قال ابن قدامة في المغني: فَإِنْ خَلَطَهَا بِمَالِهِ، وَهِيَ لَا تَتَمَيَّزُ، أَوْ لَمْ يَحْفَظْهَا كَمَا يَحْفَظُ مَالَهُ، أَوْ أَوْدَعَهَا غَيْرَهُ، فَهُوَ ضَامِنٌ.
فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ إذَا خَلَطَ الْوَدِيعَةَ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ مِنْ مَالِهِ، أَوْ مَالِ غَيْرِهِ، ضَمِنَهَا، سَوَاءٌ خَلَطَهَا بِمِثْلِهَا، أَوْ دُونَهَا، أَوْ أَجْوَدَ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ غَيْرِ جِنْسِهَا، مِثْلُ أَنْ يَخْلِطَ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ، أَوْ دُهْنًا بِدُهْنٍ، كَالزَّيْتِ بِالزَّيْتِ، أَوْ السَّمْنِ، أَوْ بِغَيْرِهِ.
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ خَلَطَ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ عَلَى وَجْهِ الْحِرْزِ، لَمْ يَضْمَنْ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ دُونَهَا...اهــ.
والذي نوصيك به الآن هو إخبار صاحب المال بوضعك له في حسابك، فإن رضي بذلك، وإلا فاسحب من النقود بقدر ماله، وادفعه له -إن شاء-.
والله تعالى أعلم.