الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
ففي هذا العصر، وكل عصر ينبغي للعاقل أن يتدبر كلامه، ويفكر فيما ينطق به قبل أن ينطق به، ولا يتكلم إلا حيث رجحت المصلحة على المفسدة.
ففرقُ ما بين العاقل والأحمق أن العاقل يفكر ثم يتكلم، والأحمق يتكلم قبل أن يفكر، قال أبو حاتم البستي -رحمه الله- في روضة العقلاء: لسان العاقل يكون وراء قلبه، فإذا أراد القول، رجع إلى القلب، فإن كان له قَالَ، وإلا فلا. والجاهل قلبه في طرف لسانه، مَا أتى على لسانه، تكلم به، وما عقل دينه من لم يحفظ لسانه. انتهى.
فعليك ألا تتكلم حتى تعلم أن لكلمتك في الخير موضعًا، وأنها لك لا عليك، وليس كلما عرض لك شيء، أو خطر ببالك، تكلمت به، فهذا لا ينبغي، بل لا تتكلم حتى تعلم رجحان مصلحة الكلام على مفسدته، وأما أن تتكلم بالكلام الذي مفسدته راجحة، ثم إذا أسيء الظن بك تعللت بأنك حسن الظن، وأن الناس قد فسدوا، فهذا غلط عظيم، وأنت -والحال هذه- لم تؤتَ من قبل الناس، وإنما أتيت من قبل نفسك، حيث لم تُعِر اللسان حقه الواجب من الحفظ، والصيانة.
وأما حسن الظن بالمسلمين، فمأمور به على كل حال؛ إلا أن تظهر قرينة قوية تدعو إلى إساءة الظن، فلا حرج حينئذ في اتباعها.
والله أعلم.