الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي لك أن تلعن هذا الرجل، ولا أن تشغل نفسك بمصيره في الآخرة؛ فإنه قد طويت صفحته، وأفضى إلى ما قدم، وقد قال الله تعالى: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ {البقرة:134}، وهو الآن بين يدي رب رحيم، ولا يجوز أن يقال: إنه لا يستحق الرحمة، أو: لا يجوز الدعاء له بالرحمة؛ فإن الله تعالى أعلم بحاله، وهو حَكَمٌ عَدْل، ولا يظلم ربك أحدًا، وهو أعلم بما يستحقه هذا الإنسان.
ولا شك أنه حصلت في أيام حكمه جرائم عظيمة في حق أهل السُّنة وغيرهم، ولكن ينبغي عند الحكم عليه أن يستعمل معه ميزان عدل؛ فلا يصحّ أن تُذكرَ آثامه، وتُغْفَل حسناته، ومن أعظمها توفيق الله تعالى له للنطق بالشهادتين على أكمل وجه، في ذلك الموقف الحرج، فلم يخذله الله سبحانه فيه، ولم يستعجم لسانه، ولم ينعقد، ولم يتلهَّى بمجادلة قاتليه، حيث إنهم كانوا أحرص شيء على أن يشغلوه عن النطق بالشهادتين بِسَبِّه والدعاء عليه بقولهم: "إلى جهنم وبئس المصير". وقد شهد على نطقه بالشهادتين ملايين البشر في جميع أنحاء العالم، وستظل تلك الشهادة يتردد صداها إلى ما شاء الله.
والأنفع لك أنت أن تستغفر لنفسك، ولمن مات من أهلك بسببه أو بغيره، وإن عفوت عنه، فذلك أحرى أن يعفو الله عنك.
والله تعالى أعلم.