الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد ورد ما يفيد هذا المعنى الذي سألت عنه، فروى أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذُكِرَ أَصْحَابُ أُحُدٍ: أَمَا وَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي غُودِرْتُ مَعَ أَصْحَابِ نُحْصِ الْجَبَلِ، يَعْنِي سَفْحَ الْجَبَلِ. قال الأرنؤوط: إسناده حسن.
وقال أيضا في حاشية المسند: قال السندي: قوله: "إذا ذكر" يحتمل أنه على بناء الفاعل، والضمير له -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو على بناء المفعول، أي: ذكر عند أصحاب أحد. قوله: "أني غودرت" من المغادرة، وهي الترك، أي: ليتني تُركت مع قتلى أحد، وأُبقيت فيهم، أي: ليتني استشهدت معهم، وفي "النهاية" 3/343: المراد قتلى أحد أو غيرهم. وهو خلاف ظاهر الرواية كما لا يخفى. انتهى.
ويقرب من هذا ما ذكره مالك في موطئه عن يحيى بن سعيد قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسًا وَقَبْرٌ يُحْفَرُ بِالْمَدِينَةِ، فَاطَّلَعَ رَجُلٌ فِي الْقَبْرِ، فَقَالَ: بِئْسَ مَضْجَعُ الْمُؤْمِنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بِئْسَ مَا قُلْتَ. فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّمَا أَرَدْتُ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَا مِثْلَ لِلْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا عَلَى الْأَرْضِ بُقْعَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَكُونَ قَبْرِي بِهَا مِنْهَا - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - يَعْنِي الْمَدِينَةَ. وهو مرسل.
قال ابن عبد البر في الاستذكار: لا أحفظ له سندا، ومعناه محفوظ في الأحاديث المرفوعة. انتهى.
وقد نص الفقهاء على استحباب طلب الدفن في الأماكن التي يكثر بها الصالحون والشهداء. قال المرداوي: يستحب الدفن في البقعة التي يكثر فيها الصالحون والشهداء، وكذا البقاع الشريفة. انتهى.
والله أعلم.