الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي تاب عليك، ونوصيك بالاستقامة على شرع الله تعالى، ولزوم الاستغفار، والإكثار من الحسنات الماحية، فإن الحسنات يذهبن السيئات.
واعلم أن بقاء أثر تلك المعصية، لا يضرك ما دمت قد تبت إلى الله تعالى، فإن التوبة النصوح تهدم ما كان قبلها، ولا تأثم أنت إن قرأ أحد هذه الأشياء، ما دمت قد عجزت عن محوها، قال صاحب مراقي السعود:
من تاب بعد أن تعاطى السببا * فقد أتى بما عليه وجبــا
وإن بقي فساده، كـــمن رجــــع * عن بث بدعة عليها يتبع.
قال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان: وَأَمَّا الْإِشْكَالُ الَّذِي فِي الْإِقْلَاعِ عَنِ الذَّنْبِ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ تَابَ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ، مَعَ بَقَاءِ فَسَادِ ذَلِكَ الذَّنْبِ، أَيْ: أَثَرُهُ السَّيِّئُ، هَلْ تَكُونُ تَوْبَتُهُ صَحِيحَةً؛ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ فَعَلَ فِي تَوْبَتِهِ كُلَّ مَا يَسْتَطِيعُهُ، وَإِنْ كَانَ الْإِقْلَاعُ عَنِ الذَّنْبِ لَمْ يَتَحَقَّقْ؛ لِلْعَجْزِ عَنْ إِزَالَةِ فَسَادِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوَ لَا تَكُونُ تَوْبَتُهُ صَحِيحَةً; لِأَنَّ الْإِقْلَاعَ عَنِ الذَّنْبِ الَّذِي هُوَ رُكْنُ التَّوْبَةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ؟
وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا: مَنْ كَانَ عَلَى بِدْعَةٍ مِنَ الْبِدَعِ السَّيِّئَةِ الْمُخَالِفَةِ لِلشَّرْعِ الْمُسْتَوْجِبَةِ لِلْعَذَابِ إِذَا بَثَّ بِدْعَتَهُ، وَانْتَشَرَتْ فِي أَقْطَارِ الدُّنْيَا، ثُمَّ تَابَ مِنَ ارْتِكَابِ تِلْكَ الْبِدْعَةِ، فَنَدِمَ عَلَى ذَلِكَ، وَنَوَى أَلَّا يَعُودَ إِلَيْهِ أَبَدًا، مَعَ أَنَّ إِقْلَاعَهُ عَنْ بِدْعَتِهِ، لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِانْتِشَارِهَا فِي أَقْطَارِ الدُّنْيَا; وَلِأَنَّ مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَفَسَادُ بِدْعَتِهِ بَاقٍ... فَجُمْهُورُ أَهْلِ الْأُصُولِ عَلَى أَنَّ تَوْبَتَهُ صحيحة؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ فَعَلَ مِنْ هَذَا الْوَاجِبِ كُلَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَمَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ، مَعْذُورٌ فِيهِ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [2 286]، إِلَى آخِرِ الْأَدِلَّةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا قَرِيبًا. انتهى.
والله أعلم.