الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت صنعا في توبتك مما كنت تفعله من خيانة الأمانة، والاعتداء على مال الغير، وأكله بغير حق، وهذا ما أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- كي يبادر المرء إلى التوبة، والتحلل من المظالم قبل الموت. فقد قال -صلى الله عليه وسلم- : من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. خرجه البخاري.
وما دام صاحب الحق قد أبرأك من حقه بسبب اعترافك له، وتوبتك من هذا الجرم، فقد برئت ذمتك، ولا يلزمك إعلامه مرة أخرى بما تقدر به المبالغ التي أخذتها، أو أنك أخذت بعضها من البنك، وبعضها من المخزن، أو غير ذلك من التفاصيل.
فهو لم يشترط لعفوه عنك أن يكون ذلك في حدود مبلغ معين، أو كونك أخذته بطريق معين، وأنت لا تعلم مقدار ما أخذت على وجه التحديد، لكن لو شئت إعلامه بما تقدر به المبالغ التي أخذتها زيادة في الاطمئنان فلا بأس.
وما أسقطه من حقه ليس له الرجوع فيه لو ندم؛ لأن الساقط لا يعود، جاء في درر الحكام شرح مجلة الأحكام عند شرح (المادة 51) : الساقط لا يعود. يعني إذا أسقط شخص حقا من الحقوق التي يجوز له إسقاطها يسقط ذلك الحق، وبعد إسقاطه لا يعود.. مثال: لو كان لشخص على آخر دين فأسقطه عن المدين, ثم بدا له رأي فندم على إسقاطه الدين عن ذلك الرجل, فلأنه أسقط الدين وهو من الحقوق التي يحق له أن يسقطها، فلا يجوز له أن يرجع إلى المدين، ويطالبه بالدين؛ لأن ذمته برئت من الدين بإسقاط الدائن حقه فيه. اهـ
والله أعلم.