الإجابــة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين قد سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سؤالا قريبا من سؤالك، عند ما أخبرهم صلى الله عليه وسلم أن المقادير مكتوبة، وأن منازل العباد عند الله معلومة.
فقد أخرج الشيخان -واللفظ لمسلم- عن علي قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالسا وفي يده عود ينكت به، فرفع رأسه فقال: ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلتها من الجنة والنار، قالوا يا رسول الله، فلم العمل، أفلا نتكل؟ قال: لا اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، ثم قرأ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى [الليل:5-6] إلى قوله: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:10].
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم: وفي هذه الأحاديث النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها، وكل ميسر لما خلق له، لا يقدر على غيره. انتهى.
وكون الله قد كتب مقادير العباد ليس معناه أن الله يكره العباد على فعل المعاصي والسيئات، وإنما معناه أن الله تعالى علم في الأزل ما هم عاملون قبل أن يخلقهم، ثم إن الله تعالى قد أعطى لعباده مشيئة وقدرة وإرادة، وقد أثبت الله ذلك في آيات كثيرة منها قوله تعالى: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:8].
فمن عصى الله فقد عصاه بمشيئته واختياره، وخالف أمره تعالى بفعله وإرادته.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 4054.
واعلم أخي السائل أن القدر سر الله في خلقه، وأن أعلم الناس بالقدر أكفهم عن الكلام فيه، ويحسن هنا أن ننقل لك كلاما نفيسا نقله الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم عن أبي المظفر السمعاني قال: سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة، دون محض القياس ومجرد العقول، فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه في بحار الحيرة، ولم يبلغ شفاء النفس، ولا يصل إلى ما يطمئن به القلب، لأن القدر سر من أسرار الله التي ضربت من دونها الأستار، واختص الله به، وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم، لما علمه من الحكمة، وواجبنا أن نقف حيث حد لنا، ولا نتجاوزه.
وقد طوى الله تعالى علم القدر على العالم، فلم يعلمه نبي مرسل، ولا ملك مقرب، وقيل: إن سر القدر ينكشف لهم إذا دخلوا الجنة ولا ينكشف قبل دخولها. والله أعلم. انتهى.
ولمزيد من الفائدة، نوصي بمراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7460، 36591، 12638، 26672.
والله أعلم.