الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالعبرة في حل الراتب هو قيام الموظف بعمله المطلوب منه. وأما نوم الموظف في عمله؛ بسبب أنه لا يوجد ما يفعله أثناء فترة عمله المسائي، فهذا لا يترتب عليه حرمة شيء من راتبه، ما دام لا يؤدي إلى التقصير في مهام عمله، ولكن صاحبه يحتاج إلى معرفة حكم نومه في وقت الفراغ بالرجوع إلى إدارة عمله .
وكذلك الحال بالنسبة لمن يعمل بغير جنسيته، فهذا لا يترتب عليه حرمة الراتب، ولكن صاحبه أيضًا يحتاج إلى معرفة حكم انتسابه إلى عمّه دون أبيه، وراجعي في ذلك الفتوى: 293065 .
ثم إنه على افتراض أن أحد الأقارب صاحب مال مختلط من الحلال والحرام، فمعاملته مكروهة، وليست محرمة عند أكثر أهل العلم، وراجعي في تفصيل ذلك الفتوى رقم: 6880.
وعلى كل تقدير؛ فليس فيما ذكرته السائلة شيء محرم لعينه، حتى لو افترضنا أن شيئًا من مال هذين الرجلين محرمًا، فهو لكسبه، لا لعينه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الخبائث نوعان: ما خبثه لعينه لمعنى قام به، كالدم، والميتة، ولحم الخنزير. وما خبثه لكسبه، كالمأخوذ ظلمًا، أو بعقد محرم، كالربا، والميسر. اهـ.
وأما السؤال عن الورع، وهل له مجال فيما ذُكِر في السؤال، فهذا يختلف باختلاف الأحوال، والأشخاص .. هذا مع خشيتنا أن يكون الداعي لذلك شيء من الوسوسة، أو الورع المظلم، الذي لا يتناسب مع حال الشخص إجمالًا!! قال ابن رجب في (جامع العلوم والحكم): ها هنا أمر ينبغي التفطن له، وهو: أن التدقيق في التوقف عن الشبهات، إنما يصلح لمن استقامت أحواله كلها، وتشابهت أعماله في التقوى، والورع. فأما من يقع في انتهاك المحرمات الظاهرة، ثم يريد أن يتورع عن شيء من دقائق الشبه، فإنه لا يحتمل له ذلك، بل ينكر عليه، كما قال ابن عمر لمن سأله عن دم البعوض من أهل العراق: يسألونني عن دم البعوض وقد قتلوا الحسين! وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «هما ريحانتاي من الدنيا». وسأل رجل بشر بن الحارث عن رجل له زوجة، وأمّه تأمره بطلاقها، فقال: "إن كان بر أمّه في كل شيء، ولم يبق من برها إلا طلاق زوجته، فليفعل، وإن كان يبرها بطلاق زوجته، ثم يقوم بعد ذلك إلى أمّه فيضربها، فلا يفعل". وسئل الإمام أحمد -رحمه الله- عن رجل يشتري بقلًا، ويشترط الخوصة -يعني التي تربط بها جرزة البقل-، فقال أحمد: إيش هذه المسائل؟! قيل له: إنه إبراهيم بن أبي نعيم. فقال أحمد: إن كان إبراهيم بن أبي نعيم، فنعم هذا يشبه ذاك. وإنما أنكر هذه المسائل ممن لا يشبه حاله، وأما أهل التدقيق في الورع، فيشبه حالهم هذا، وقد كان الإمام أحمد نفسه يستعمل في نفسه هذا الورع، فإنه أمر من يشتري له سمنًا، فجاء به على ورقة، فأمر برد الورقة إلى البائع. وكان الإمام أحمد لا يستمد من محابر أصحابه، وإنما يخرج معه محبرته يستمد منها، واستأذنه رجل أن يكتب من محبرته، فقال له: اكتب، فهذا ورع مظلم. واستأذنه آخر في ذلك، فتبسم، فقال: لم يبلغ ورعي، ولا ورعك هذا. وهذا قاله على وجه التواضع، وإلا فهو كان في نفسه يستعمل هذا الورع، وكان ينكره على من لم يصل إلى هذا المقام، بل يتسامح في المكروهات الظاهرة، ويقدم على الشبهات من غير توقف. اهـ.
وعلى أية حال؛ فالورع المحمود هو الذي لا يحمل صاحبه على التنطع، وترك ما يتيقن حله، وإباحته، وانظري في ذلك الفتويين: 147741، 196231.
والله أعلم.