الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من صور ومشاهد إنسانية رائعة، جديرة بالتأمل، والثناء.
وأما أن يستحق صاحبها النعيم الأخروي في الجنة رغم كفره بالله العظيم الجليل؛ فهذا لا يكون أبدًا؛ فإن الجنة خالصة للمؤمنين، وحرام على الكافرين، وهؤلاء الذين تثني على سلوكهم، وتتمنى أن يدخلهم الله الجنة؛ هم في الحقيقة لا يؤمنون بجنة خلقها الله تعالى، وجعلها جزاء للمؤمنين به، الموحّدين له، فكيف تطلب من الله أن يكافئهم بشيء هم يرفضوه وينكروه؟
وقد دل القرآن، والسنة، والإجماع، على أن من دان بغير الإسلام، فهو كافر، ودينه مردود عليه، وهو في الآخرة من الخاسرين قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85}، وقال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ {آل عمران:19}، وفي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ.
وهؤلاء الكفار المحسنون الذين يهمّك أمرهم، إنما كان مقصد خلقهم أولًا هو عبادة الله، وتوحيده؛ لقوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56}، وقد أسبغ على العباد نعمه ليسلِّموا له، وينقادوا لطاعته، كما قال تعالى: كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ {النحل:81}.
فلا ذنب أعظم من ترك الإسلام، وعدم البحث عنه، والتعرف إليه، فإذا اشتغل هؤلاء الكفار بنفع الخلق، وأهملوا توحيد وعبادة الخالق؛ فقد ضلوا الطريق.
وسيجزيهم الله على إحسانهم إلى الناس في الدنيا، وليس لهم في الآخرة من نصيب، بل يعاقبون على الشرك، ويخلدون في نار جهنم، كما قال الله تعالى في شأنهم: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا {الفرقان:23}، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً، يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا، وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا؛ حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ، لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا.
ثم اعلم -أيها الأخ الكريم- أن الله تعالى عدل، لا يظلم الناس شيئًا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، وأنه لا يهلك على الله تعالى إلا هالك، ولمزيد بيان انظر الفتوى رقم: 110967.
والله أعلم.