الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإقامة العدل بين العباد، إنما يتحقق كاملا في الآخرة عندما توضع موازين القسط ليوم القيامة، فلا تظلم نفس شيئا. وأما في الدنيا فقد يموت المظلوم بمظلمته، ويموت الظالم بظلمه، دون أن يقام العدل بينهما، حتى تُقتَصَّ بينهم المظالم يوم القيامة.
وكذلك فإن المحسنين في الدنيا يموت بعضهم دون أن يرى جزاء إحسانه فيها، حتى يُجزَى بذلك يوم القيامة! وذلك أن الدنيا ليست بدار جزاء، وإنما هي دار عمل، بعكس الآخرة فهي دار جزاء وليست دار عمل.
وهذا لا يتعارض مع اتصاف الله تعالى بالعدل مطلقا، فهو سبحانه متصف بذلك أزلا وأبدا، وإن كان ظهور آثاره للعباد في الدنيا يتفاوت، حتى يظهر جليا للجميع، ويرى حق اليقين، في الآخرة، حيث: تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ {البقرة:281}، {آل عمران:161}، وذلك يوم القيامة، كما قال تعالى: الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر: 17].
وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 137631 بيان أن الظلم الذي يجب نفيه عن الله تعالى هو الظلم المتعلق بالجزاء، فالله تعالى لا يجزي العبد إلا بعمله، ولا يعذبه إلا بذنبه، ولا يضيع أجر المحسنين.
وأما الظلم هنا في الدنيا فلا يتحقق إلا بوضع الشيء في غير موضعه، وهذا لا يكون في حكم الله أبدا، ولكننا لقصور علمنا ونقص معرفتنا لا ندرك كثيرا من مواضع الحكمة، وليس عندنا ما يؤهلنا لقدر كل شيء قدره، ووضع كل شيء موضعه.
وأما الله تعالى، فله الحجة البالغة والحكمة التامة، وهو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير.
والله أعلم.