الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فترك أكل ما فيه مواد محرمة لم تستحل، من النكهات والملونات ونحوها، لا إشكال فيه.
وأما ما كان من هذه المواد مجهولا أو مشبوها، فلا يحكم بحظره سواء في الأكل أو في البيع، ويبقى على أصل الإباحة، ما لم يغلب على الظن حرمته باعتبار قرائن الحال أو واقع بلد معين؛ لأن القاعدة أن الطعام لا يُطرح بالشك، كما جاء في الشرح الصغير للدردير عن الطعام الذي وقعت فيه نجاسة. قال: يرفع منه بقدر ما ظن سريانها فيه، ويستعمل الباقي -ولو شك في سريانها فيه- لأن الطعام لا يطرح بالشك. اهـ.
ويتأكد هذا مع عموم البلوى بمثل هذه الأنواع من الأطعمة، ولا سيما مع اعتبار أن أغلب هذه المواد المصنعة تكون قد جرى عليها معالجة تتحول معها عن أصلها. وراجعي في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 120466، 28550، 48744.
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: الله تعالى يخرج الطيب من الخبيث، والخبيث من الطيب، ولا عبرة بالأصل، بل بوصف الشيء في نفسه، ومن الممتنع بقاء حكم الخبث وقد زال اسمه ووصفه، والحكم تابع للاسم والوصف دائر معه وجودا وعدما. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: حرم الله الخبائث التي هي الدم، والميتة، ولحم الخنزير ونحو ذلك، فإذا وقعت هذه في الماء أو غيره، واستهلكت لم يبق هناك دم ولا ميتة ولا لحم خنزير أصلا، كما أن الخمر إذا استهلكت في المائع، لم يكن الشارب لها شاربا للخمر، والخمرة إذا استحالت بنفسها وصارت خلا، كانت طاهرة باتفاق العلماء، وهذا على قول من يقول: إن النجاسة إذا استحالت طهرت، أقوى. كما هو مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر، وأحد القولين في مذهب مالك وأحمد، فإن انقلاب النجاسة ملحا ورمادا ونحو ذلك، هو كانقلابها ماء، فلا فرق بين أن تستحيل رمادا أو ملحا أو ترابا أو ماء أو هواء ونحو ذلك، والله تعالى قد أباح لنا الطيبات، وهذه الأدهان والألبان والأشربة الحلوة والحامضة وغيرها من الطيبات، والخبيثة قد استهلكت واستحالت فيها، فكيف يحرم الطيب الذي أباحه الله تعالى؟! ومن الذي قال: إنه إذا خالطه الخبيث واستهلك فيه واستحال قد حرم؟ وليس على ذلك دليل لا من كتاب ولا من سنة، ولا إجماع ولا قياس. اهـ.
وعلى ذلك؛ فلا يحرم على السائلة أكل أو بيع ما كان مجهولا أو مشبوها، ما لم يغلب على ظنها حرمته بسبب ظاهر، أو قرينة مقبولة. ويتأكد هذا إذا ما كتب عليه (حلال).
والله أعلم.