الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجنة موجودة الآن، ومعها خزنتها, ومثلها النار أيضا.
فقد جاء في سنن النسائي, والترمذي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سأل الله الجنة ثلاث مرات، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات، قالت النار: اللهم أجره من النار. صححه الشيخ الألباني.
قال المناوي في فيض القدير: (من سأل الله الجنة) أي دخولها بصدق وإيقان، وحسن نية (ثلاث مرات، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة. ومن استعاذ من النار ثلاث مرات، قالت النار: اللهم أجره من النار) وهذا القول يحتمل كونه بلسان القال بأن يخلق الله فيها الحياة والنطق وهو على كل شيء قدير، أو بلسان الحال. وتقديره: قالت خزنة الجنة من قبيل قوله تعالى: {واسأل القرية}. ويؤيده ذكر الجنة في قوله: اللهم أدخله الجنة، وإلا لقالت اللهم أدخله إياي. ويحتمل كونه التفات من التكلم إلى الغيبة، وكذا الكلام في قوله: قالت النار. انتهى.
وبخصوص ملائكة الرحمة, وملائكة العذاب المذكورين في الحديث الذي أشرتَ إليه، فهم المكلفون بأرواح بني آدم يأخذونها من ملك الموت. فأهل الإيمان تتولى أرواحهم ملائكة الرحمة، أما الكفار فتأخذ أرواحهم ملائكة العذاب.
قال ابن القيم في كتابه الروح: وَإِن الْكَافِر إِذا احْتضرَ أَتَتْهُ مَلَائِكَة الْعَذَاب بمسح، فَيَقُولُونَ: اخرجي مسخوطا عَلَيْك، إِلَى عَذَاب الله، فَتخرج كأنتن ريح جيفة، حَتَّى يَأْتُوا بِهِ بَاب الأَرْض، فَيَقُولُونَ: فَمَا أنتن هَذِه الرّوح، حَتَّى يَأْتُوا بِهِ أَرْوَاح الْكفَّار. رَوَاهُ النسائي وَالْبَزَّار وَمُسلم مُخْتَصرا. وَأخرجه أَبُو حَاتِم فِي صَحِيحه، وَقَالَ: إِن الْمُؤمن إِذا حَضَره الْمَوْت، حَضرته مَلَائِكَة الرَّحْمَة، فإذا قبض جعلت روحه فِي حريرة بَيْضَاء، فَينْطَلق بهَا إِلَى بَاب السَّمَاء فَيَقُولُونَ: مَا وجدنَا ريحًا أطيب من هَذِه. انتهى.
وفي أصول السنة لابن أبي زمنين: وقال عز وجل: قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم. فإذا قبض نفسا مؤمنة، دفعها إلى ملائكة الرحمة، وإذا قبض نفسا كافرة أو فاجرة، دفعها إلى ملائكة العذاب، وهو قوله: توفته رسلنا وهم لا يفرطون، بل يقبضونها من ملك الموت، ثم يصعدون بها إلى الله، وذلك قوله: ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق. انتهى.
والله أعلم.