الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شرط الشهادة أن تكون عن علم يقيني بالشيء المشهود به، إما بمعاينته، أو بالسماع فيما كان مستفيضا شائعا، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: الأصل في الشهادة أن تكون عن مشاهدة وعيان، لقوله تعالى: {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} . وقوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف: {وما شهدنا إلا بما علمنا} . فأخبر سبحانه وتعالى أن الشهادة تكون بالعلم، ولا تصح بغلبة الظن.
ويستدل لذلك بحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يشهد بشهادة، فقال لي: يا ابن عباس؛ لا تشهد إلا على ما يضيء لك كضياء هذه الشمس، وأومأ رسول الله بيده إلى الشمس.
وهذا يدل على أن الشهادة يجب أن يكون مستندها أقوى أسباب العلم وهي: المشاهدة، والعلم اليقيني.
لكن الأمور المشهود بها قد تتفاوت فيما بينها في تحصيل العلم بها:
فمنها ما شأنه أن يعاينه الشاهد كالقتل، والسرقة، والغصب، والرضاع، والزنى، وشرب الخمر. فلا يصح أن يشهد الشاهد هذه الأمور إلا بالمعاينة ببصره.
ومنها أمور لا يصح للشاهد أن يشهد بها إلا بالسماع والمعاينة، وإليه ذهب الجمهور في عقود النكاح، والبيوع، والإجارات، والطلاق؛ لأن الأصوات قد تشتبه، ويكتفي الحنابلة فيها بالسماع إذا عرف المتعاقدين يقينا وتيقن أنه كلامهما.
ومنها ما يحصل علمه بها عن طريق سماع الأخبار الشائعة المتواترة والمستفيضة، كَالنَّسَبِ، وَالْمِلْكِ، وَالْمَوْتِ، وَالْوَقْفِ. فَيَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا مُعْتَمِدًا عَلَى التَّسَامُعِ .اهـ. وقد بينا هذا في الفتاوى: 195453، 240841، 358816 .
وأنت في شهادتك تلك قد شهدت بما لا تعلم، فأنت لم تعاين ما شهدت به، وشهادتك اعتمادا على ملف البنك لتلك المعاملة لا يصح أبدا، لأنه ليس بمعاينة توجب اليقين أصلا، ولأنه اعتماد على الوثائق التي بحوزة المشهود له، والتهمة فيها واردة، باحتمال التزوير، أو إخفاء بقية الوثائق، أو غير ذلك.
وعليه: فقد وقعت بشهادتك تلك في إثم جسيم وحوب عظيم، وهي شهادة الزور، ولمعرفة كيفية التوبة من شهادة الزور انظر الفتوى: 120790 .
والله أعلم.