الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فالسبيل الأول والأخير لمعرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، والتعلق، وحسن الظن به، والإخلاص إليه، ومعرفة شرعه، سبيلُ هذا كلِّه بعد توفيق الله تعالى أمران:
أولهما: تدبر كتاب الله سبحانه وتعالى.
وثانيهما: العمل به، والوقوف عند حدوده.
فمن تدبر كتاب الله تعالى، وعمل به، ووقف عند حدوده، قاده ذلك لا محالة إلى معرفة الله سبحانه، وتعظيمه، والإخلاص إليه، وكَرِهَ من كل قلبه الفسوقَ والعصيان.
وتأمل هاتين الآيتين الكريمتين:
قوله عز وجل: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ. [الإسراء: 9]، قال السعدي:{ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } أي: أعدل وأعلى من العقائد والأعمال والأخلاق، فمن اهتدى بما يدعو إليه القرآن كان أكمل الناس، وأقومهم، وأهداهم في جميع أموره. اهـ.
وقوله سبحانه وتعالى في سورة المائدة: ... قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. [المائدة 16،15] فوصف القرآن بالنور، وأخبرنا مَنْ هو الذي يهتدي بهذا النور، قال السعدي: { قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ } وهو القرآن، يستضاء به في ظلمات الجهالة وعماية الضلالة. { وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } لكل ما يحتاج الخلق إليه من أمور دينهم ودنياهم. من العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، ومن العلم بأحكامه الشرعية وأحكامه الجزائية، ثم ذكر مَنْ الذي يهتدي بهذا القرآن، وما هو السبب الذي من العبد لحصول ذلك، فقال: { يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ } أي: يهدي به من اجتهد وحرص على بلوغ مرضاة الله، وصار قصده حسنا، سبل السلام التي تسلم صاحبها من العذاب، وتوصله إلى دار السلام، وهو العلم بالحق والعمل به، إجمالا وتفصيلا. { وَيُخْرِجُهُم مِّن } ظلمات الكفر والبدعة والمعصية، والجهل والغفلة، إلى نور الإيمان والسنة والطاعة والعلم، والذكر. وكل هذه الهداية بإذن الله، الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. { وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } . اهـــ
ومما جاء به القرآن الدعاء، والاجتهاد فيه، والإلحاح على الله تعالى في طلب الهداية، فإنه مالكها جل في علاه، يهبها لمن يشاء، وينزعها ممن يشاء.
والله تعالى أعلم.