الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فلم يرد -فيما نعلم- فضل خاص بصيام الخمسة عشر يومًا الأولى من شهر شعبان، دون غيرها من بقية أيام الشهر، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر من الصيام في شعبان عمومًا، ففي حديث عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ. رواه البخاري، وفي لفظ مسلم: وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ، أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا. اهـ.
فليس ثَمَّ فضل خاص -فيما نعلم- في صيام النصف الأول منه، ولكن ورد حديث يفيد النهي عن الصيام في النصف الثاني من شعبان، وهو حديث: إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ، فَلَا تَصُومُوا. وبعض أهل العلم يرى أنه ضعيف، ومنهم من يرى أنه حسن، أو صحيح.
وجمعوا بينه وبين الأحاديث الدالة على مشروعية صيام النصف الثاني من شعبان، فقال بعضهم: النهي إنما هو في حق من ليس له عادة بالصيام، وأما من كان له عادة- كمن يصوم الإثنين والخميس، وكمن يكثر من الصيام في شعبان عادة-، فإن النهي لا يشمله.
ويرى ابن القيم أن النهي منصب على تخصيص النصف الثاني بالصيام، وأما من صامه مع النصف الأول، أو كان له عادة، فلا يشمله النهي، قال -رحمه الله تعالى- عن حديث الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ، فَلَا تَصُومُوا. قال: وَأَمَّا ظَنُّ مُعَارَضَته بِالْأَحَادِيثِ الدَّالَّة عَلَى صِيَام شَعْبَان، فَلَا مُعَارَضَة بَيْنهمَا، وَإِنَّ تِلْكَ الْأَحَادِيث تَدُلّ عَلَى صَوْم نِصْفه مَعَ مَا قَبْله، وَعَلَى الصَّوْم الْمُعْتَاد فِي النِّصْف الثَّانِي، وَحَدِيث الْعَلَاء يَدُلّ عَلَى الْمَنْع مِنْ تَعَمُّد الصَّوْم بَعْد النِّصْف لَا لِعَادَةٍ، وَلَا مُضَافًا إِلَى مَا قَبْله. اهـ.
ومن اعتاد صيام الإثنين والخميس، فلا ينبغي أن يترك صيامهما في النصف الأخير من شعبان، ولو تركه، فلا يأثم، لكن يفوته أجر صيامهما، وانظر الفتوى رقم: 77354.
والله تعالى أعلم.