الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى.
وأما موضوع سؤالك، فبداية ننبه على أن تحري المرأة المسلمة للستر إذا خرجت من بيتها، أمر لا خلاف فيه ولا إشكال، وإنما النظر في بعض الأحوال أو الهيئات الخاصة، هل يتحقق فيها وصف الستر أم لا؟ ومن ذلك موضوع سؤال الأخت السائلة! فلبس البنطال الواسع الذي لا يصف أعضاء المرأة، ولا يظهر جحم عظامها، إذا لبست فوقه ثوبا ساترا إلى الركبتين، أو قريبا من ذلك، هل يتحقق بذلك الحجاب الشرعي، أم لا بد أن تلبس فوق البنطال ما يستره كله؟ فهذا محل نظر، واختلاف بين أهل العلم، ولا سيما مع مراعاة باب سد الذرائع، ودرء الفتن!
والذي سبق لنا التوجيه إليه من المنع من لبس المرأة للبنطال، إنما هو لكونه هو وحده لا يتحقق به الستر المطلوب، وكون الساقين لم يسترا بشيء فوقه، كما في الفتاوى التالية أرقامها: 153327، 5521، 60395.
أو لكون الغالب أن يختل في البنطال شيء من شروط الحجاب، وإلا فإذا كان فوقه ثوب يستر ملامح الجسم، فلا حرج، كما في الفتويين التاليتين: 108577، 60354. وتجدين فيهما التنبيه على أنه لا يشترط للمرأة نوع معين من اللباس، ولكن يشترط للباسها شروط معينة، فأي لباس توفرت فيه هذه الشروط، جاز لها لبسه بغض النظر عن كيفية اللباس أو نوعه، فإن ذلك يختلف باختلاف البيئات والعادات.
والمقصود أن المنع من لبس البنطال إنما هو لأجل تحصيل الستر، فإذا افترضنا حصوله بلبسه مع لبس شيء فوقه، فلا إثم على من فعلت ذلك. وإن كان الأفضل أن تلبس العباءة السابغة الفضفاضة، لكونها أستر، وأبعد عن الزينة، وأشبه بحال المؤمنات الأوليات.
وقد سئل الشيخ ابن باز في برنامج: نور على الدرب، عن حكم لبس البنطلون للرجال والنساء؟
فأجاب: لا أعلم فيه مانعاً إذا كان على هيئة ليس فيها ما يصف العورة، بل يستر العورة، وليس فيه تشبه، فالبنطلون الذي يختص بالرجال لا تلبسه المرأة، والذي يختص بالمرأة لا يلبسه الرجال، وإذا كان على هيئة تختص بالكفار لا يلبسها المسلم أيضاً، فالحاصل أن الرجل والمرأة كلٌ منهما يتوخى ويتحرى أن يكون لباسه لا يشبه لباس الآخر، لا في البنطلون ولا في غيره، وأن يكون لا يشبه أيضاً لباساً يختص بالكفار، أما المشترك الذي لا يخص الكفار مشترك فلا بأس، وهكذا المشترك الذي لا يخص النساء ولا الرجال كالخاتم من الفضة لا حرج في ذلك، شيء لا يخص الجميع، لا يخص أحداً. اهـ.
فقال له مقدم البرنامج: الواقع من صفة البنطلون -سماحة الشيخ- أنه يفصِّل أعضاء الجسم؟
فقال الشيخ: إذا كان يفصِّل العورة وأعضاء الجسم، يفتن الناس، ينبغي للمرأة أن لا تلبسه إلا عند زوجها. اهـ.
وسئل الدكتور صلاح الصاوي: هل يجوز لُبس البنطلون للفتيات، وعليه بلوزة طويلة؟
فأجاب: فقد ناقش مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا هذه المسألة، وانتهى فيها إلى هذا القرار:
لبس البنطال: لا يجوز لُبس البنطال مع قميص قصير، فإن البنطالَ يحَدِّد حجم العظام وتقاسيم العورة المغلظة، ولكن للمرأة لُبس السراويل (البنطال) إذا كان فوقها ثيابٌ تستر بدنها إلى الركبتين أو تحتهما، كاللباس الشائع في السند والهند متى وافق الضوابط المذكورة آنفًا. وبالأحرى فإنَّ للمرأة لُبسَ ثوب إلى الركبتين وتحته إزار (تنورة)، وقلَّ أن تُتحقَّق مواصفات الحجاب الشرعي في لبس البنطال في صورته الشائعة، فينبغي الانتباه إلى تحقق الشروط الشرعية في لبسه.
ثم نبه المجمع إلى الضوابط الشرعية للباس المرأة المسلمة، فقال:
ضوابط اللباس الشرعي:
الحجاب في الإسلام ليس ثوبًا ترتديه المرأةُ المسلمة فقط، بل طريقةُ حياة ومنهج كامل للتعامل مع جنس الرجال، فالمسلمةُ تبتعد عن مواطن الشبهات والريبة، فهي لا تخضع بالقول، فيطمَعَ الذي في قلبِه مرض، ولا تتمايل في مشيتها فتميل قلوب الرجال، وهي حريصة على عدم الاختلاط بهم إلا لحاجة.
تطبيقات الحجاب الشرعي تتغير بتغير الأعراف والثقافات:
• شكل اللباس وطريقته متروكٌ للمرأة متى التزمت بالضوابط الشرعية، من كونه ساترًا للعورة بما لا يشِفُّ ولا يصف، وليس ثيابَ شهرة، وليس فيه تشبُّه بالرجال، أو بثياب الفاسقات أو غير المسلمات.
• ليست هناك صورةٌ معينة ملزِمة للحجاب الشرعي، فأيُّ ثياب تحققت فيها هذه المواصفات كانت ثيابًا شرعية.
• لا حرج أن يكون حجاب المرأة المسلمة حسنَ الهيئة مُتَّسقًا، ومتشاكلَ الألوان، إذا كان ساترًا فضفاضًا، ومستوفيًا لشروط الحجاب الشرعي.
• لا يُوجد لونٌ محدد للباس المرأة في الشريعة، بل لها أن تلبس ما شاءت من الألوان التي تُناسب عرفَ البلد الذي تكون فيه، على أن تتَّخذ من الثياب والألوان ما يتناسب مع مقصود الحجاب من قطعِ تعلُّق أطماع الرجال وأنظارهم، فلا تكون لافتةً للنظر، ولا باعثةً على الريبة.
• ليس للخمار شكلٌ ثابت، ولكنه في اللغة ما غطَّى الرأس، وأمَر الشارعُ بأن يَستُر أيضًا فتحةَ الجَيْبِ لتغطية العُنق والصدر. والأولى بمن تركت التجَلبُب واستترت بغيرِه أن تجعل الخمارَ سابغًا. اهـ.
وأما الجزء الثاني من السؤال، فنقول: إن المستفتي إذا كان له القدرة على معرفة الدليل، والنظر في أقوال العلماء والترجيح بينها، فعليه أن يتبع الدليل ويترك ما يخالفه. ومن ليست له أهلية لمعرفة الأدلة الشرعية، ولا النظر في أقوال العلماء، فلا حرج عليه في اتباع مذهب معين، أو تقليد عالم معتبر. فإن اختلف عليه المفتون، ولم يكن أحدهم أوثق في نفسه من حيث العلم والورع، فله أن يقلد من شاء منهم، وإن عمل بالاحتياط والورع كان أبرأ لذمته، وقد سبق لنا تفصيل ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 100108، 169143، 203266، 267580، 120640.
والله أعلم.