الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتلفيق أنواع، فمن صور التلفيق: أخذ صحة الفعل من مذهبين معاً بعد الحكم ببطلانه على كل واحد منهما بمفرده، ومثاله: متوضئ لمس امرأة أجنبية بلا حائل، وخرجت منه نجاسة كدم من غير السبيلين، فإن هذا الوضوء باطل باللمس عن الشافعية، وباطل بخروج الدم من غير السبيلين عند الحنفية، ولا ينتقض بخروج تلك النجاسة من غير السبيلين عند الشافعية، ولا ينتقض أيضاً باللمس عند الحنفية، فإذا صلى بهذا الوضوء، فإن صحة صلاته ملفقة من المذهبين معاً، وقد جاء في الدر المختار: أن الحكم الملفق باطل بالإجماع. انتهى.
ولكننا نقول: إن دعوى الإجماع على منع هذا النوع من التلفيق فيها نظر، بل ذهب بعض العلماء إلى جواز التلفيق إذا بُني على اتباع الدليل، ولا يتأتى هذا للعامي لعدم معرفته بالدليل، فيبقى على المنع من التلفيق بالصورة المذكورة.
وهناك أنواع أخرى من التلفيق لم يمنع منها الفقهاء لعدم ترتب المحظور المذكور عليها، مثل أن يُقلد مذهباً في مسألة معينة، فإذا تكررت معه نفس المسألة أخذ فيها برأي مذهب آخر ومثل أن يُقلد مذهباً في مسألة ما، ويقلد مذهباً آخر في مسألة أو مسائل أخرى غيرها، وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يفتون من يسـألهم دون تنبيهه على عدم تقليد غيره، فكان الواحد منهم، يسأل عن المسألة الواحدة أكثر من واحد منهم أو يسأل من شاء من الصحابة عما شاء.
علماً بأن التلفيق ممنوع في كل حال إذا كان القصد منه التلهي والتشهي بتتبع الرخص، وقد بينا هذا أجلى بيان في الفتاوى التالية: 17519، 5812، 32653، 2397.
والله أعلم.