الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان الحال كما ذكرت، فلست قاطعة لهؤلاء الأرحام، ولست مشاحنة لهم، أو مسيئة إليهم، بل هم القاطعون المسيئون.
وإذا كنت تحرصين على صلتهم رغم ذلك، فأنت على خير عظيم -بإذن الله-، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ. صحيح مسلم. تسفهم المل: تطعمهم الرماد الحار. وانظري الفتوى رقم: 77480.
واعلمي أنّ الصلة تحصل بالزيارة، والاتصال، والمراسلة، والسلام، وكل ما يعده العرف صلة، قال القاضي عياض: وللصلة درجات، بعضها أرفع من بعض، وأدناها: ترك المهاجرة، وصلتها بالكلام، ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة، والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها، لا يسمى قاطعًا، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له أن يفعله، لا يسمى واصلًا. نقله العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري.
ومن أعظم أنواع الصلة لهؤلاء الأقارب: أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ودعوتهم للتوبة من الظلم، وأكل المال بالباطل، فإذا لم يتوبوا إلى الله، فلا حرج عليك في مقاطعتهم، وهجرهم بعد إعلامهم أن الهجر بسبب وقوعهم في الظلم، وانظري الفتوى رقم: 14139.
والله أعلم.