الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على غيرتك على المحارم، وهذه علامة خير فيك، ومن شأن المؤمن أن يفعل ذلك، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه. فنرجو أن يجزيك الله على ذلك خيرًا، ويزيدك إيمانًا، ويقينًا، وثباتًا، وحفظًا.
ولا شك في أن الشرع قد حث النساء على القرار في بيوتهن، وعدم الخروج منها إلا لما لا بد لهن منه، قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ {الأحزاب:33}، قال ابن كثير في تفسيره: وقوله: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ـ أي: الزمن بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة. اهـ.
والخروج إلى الأسواق خاصة، فيه ما فيه من ألوان الشر، وقد تفتن المرأة فيها غيرها، أو تفتن في نفسها، فتأثم، أو تؤثم غيرها، قال الشيخ ابن عثيمين في لقاء الباب المفتوح: أما خروج المرأة، فلا شك أن العرف، والحياء، والشيمة، والدين، كلها تقتضي أن تكون المرأة في بيتها، وبيوتهن خير لهن، هذا عام، ولا تخرج إلا لحاجة؛ وذلك أن المرأة -وإن كانت خرجت غير متطيبة، وغير متبرجة، وهي نزيهة، وسليمة، وعفيفة-، تُبْتَلى، يوجد في الأسواق فسَّاق ليس لهم هم إلا ملاحقة النساء -والعياذ بالله- ومغازلتهن، وإلقاء الأوراق، وأرقام الهواتف عليهن، وما أشبه ذلك، مع أنهن نزيهات؛ فلهذا نقول: خير مكان للمرأة أن تبقى في بيتها، وهي في الواقع مسؤولة عن نفسها، ووليها أيضًا مسؤول عنها، حتى كثير من الرجال -نسأل الله لنا ولهم الهداية- قد أطلقوا العنان للنساء، تخرج المرأة متى شاءت، تتسكع في الأسواق، وفي المتاجر، ولا يبالي ولا يسأل -نسأل الله أن يعيننا وإياكم على أداء الأمانة-. اهـ.
وقد أحسنت بنصحك لأمك وأختك بالتقليل من الخروج، إلا لما لا بد لهما منه، وإن كان هنالك من له حق المنع من أب، أو غيره من الأولياء، أو زوج، فينبغي نصحه بأن يقوم بدوره، ويتحمل مسؤوليته، روى البخاري ومسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته... والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته... الحديث.
وإن أصرت أمك على الذهاب للسوق، فليس لك أن تهددها بالقطيعة، ولا يجوز لك قطيعتها، ولا هجرها، فشأن الوالدين عظيم، وخاصة الأم، فقد أمر الله بحسن صحبتهما مع كفرهما، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:15}.
وأما أختك، فلك هجرها، إن رجوت أن ينفعها الهجر، ويردها لصوابها، وإلا فالأولى تركه؛ لأن هجر العاصي يرجع فيه إلى المصلحة، كما بينا في الفتوى رقم: 134761.
والله أعلم.