الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما تعظيم الأمر فيحصل باستحضار عظمة الآمر، وهو الله سبحانه وتعالى، فيستحيي أن يخالف أمر العظيم؛ لأن أمر العظيم عظيم، ويحصل كذلك بمعرفة حكم وأسرار الشريعة، وذلك أن التدبر فيما اشتملت عليه الشريعة من الحكم والمصالح يزيدك تعظيما لها ومعرفة بقدرها، ويحصل هذا التعظيم كذلك بمعرفة ما في مخالفة الأمر من المضرة، ومعرفة أن كل فساد يحصل في الدين أو الدنيا فإنما هو بسبب مخالفة الأمر.
وأما تعظيم الآمر سبحانه فيحصل بالتفكر في أسمائه الحسنى وصفاته العلا، والعلم بأنه سبحانه المتصف بكل كمال المنزه عن كل نقص، فإذا أدمن العبد الفكرة في أسماء الرب وصفاته أورثه ذلك معرفة به وتعظيما له وإجلالا، ويحصل كذلك بتدبر آياته الشرعية والكونية، فإن تدبر القرآن من أعظم ما يزيد تعظيم الله في القلب، وكذا تدبر الآيات الكونية، فإنها دالة أي دلالة على عظمته وتفرده بالوحدانية سبحانه وبحمده.
وأما التصديق بالجزاء فهو لازم لكل مسلم، ولكن اليقين به يزيد ويعظم بتدبر أدلة القيامة التي نبه عليها القرآن، فالذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم، والذي بدأ الخلق أقدر على أن يعيده، والذي يحيي الأرض بعد موتها قادر على إحياء الناس من قبورهم، كما أن دليل العقل شاهد بحصول الجزاء حتى يأتي اليوم الذي يقتص فيه المظلوم من ظالمه، وترد الحقوق إلى مستحقيها، فتظاهر هذه الأدلة وإمعان الفكر فيها يجعل العبد مصدقا تصديقا تاما بالجزاء، ويستتبع هذا التصديق الاستعداد والتأهب للقاء الله تعالى، والعمل على الخلاص في ذلك اليوم العصيب، نسأل الله السلامة والنجاة.
والله أعلم.