الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطلب العلم تعبدا لله، من أعظم القربات لمن صلحت نيته، ومن أشرف علوم الشريعة وأنفعِها علمُ الفقه بالأحكام الشرعية. ومن المعلوم أن على الطالب أن يتوازن في طلبه للعلوم، ويقدم ما تشتد حاجته له، كما بينا في الفتوى رقم:0 وغيرها.
وقد أحسنت برغبتك في التفقه عن طريق دراسة مذهب من مذاهب أهل السنة الأربعة المشتهرة، فذلك هو الطريق الأيسر والأنفع في دراسة الفقه، فالفقه علم واسع، ومسائله كثيرة جدا، ويحتاج إتقانُه وضبطُه لوقت طويل، والتنقل فيه من مذهب إلى مذهب، من أسباب تشتت الطالب وضياع الكثير من الوقت، مع عدم إتقانه لما يدرس، بخلاف العكوف على دراسة مذهب واحد حتى الحذق فيه.
وللانشغال بدراسة الفقه على مذهب واحد مزايا كثيرة ليس هذا محل بسطها. فينبغي لطالب الفقه أن يلزم في حال تفقهه مذهبا واحدا، يبدأ فيه بمختصر من مختصراته، ويدرسه على شيخ متقن، فإذا أتقنه انتقل منه إلى ما هو أعلى رتبة. ويقرن ذلك بدراسة كتب أصول الفقه، والقواعد الفقهية، وليحرص على حسن التصور للمسائل، وضبط أوجه الاستدلال لها، ويستمر على هذا المنهج حتى يضبط هذا المذهب، ثم ينتقل بعد ذلك لكتب الخلاف بين الأئمة، وإلى النظر في الأدلة.
هذا من حيث التفقه، أما من حيث العمل، فإنه يكون بما صح دليلا، أو رجح نظرا، وفق الضوابط المعروفة، وقد فصلنا ذلك في فتاوى كثيرة منها الفتاوى التالية أرقامها: 180003 // 336001 // 342592، فراجعها، وراجع إحالاتها.
والأنسب في اختيار المذهب الذي يريد الطالب دراسته، هو أن يختار مذهب أهل بلده؛ ليسهل عليه تعلمه من شيوخ هذا البلد ويسهل عليه كذلك نشر العلم فيهم، فإن الناس يميلون في العادة إلى من يشاركهم مذهبهم، وينفرون ممن عداه، فيكون ذلك أدعى لقبول الحق منه.
ثم إن ترتيب دراسة كتب المذهب أمر اجتهادي، تختلف فيه الأنظار بين أصحاب المذهب الواحد من بلد إلى بلد، ومن شيخ إلى شيخ، فعلى الطالب أن يتبع ما يشير عليه به شيخه من الكتب، وليجعل همَّه في إتقانه لما يدرس، ولا تشغله كثرة المناهج عن ذلك. ولكل مذهب كتب مفصلة تعرِّف به، وبمصطلحاته وبالمعتمد من كتبه وكيفية دراسة هذا المذهب وغير ذلك.
وقد سبق الكلام حول مناهج مقترحة لطلب علم الفقه على المذهب الشافعي، في الفتاوى التالية أرقامها: 146497 // 320506 // 282964.
والله أعلم.