الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك أن تؤمن إيمانا جازما بعدل الله تعالى، وأنه لا يظلم الناس شيئا، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:40}.
وعليك كذلك أن تؤمن بحكمة الله تعالى، وأنه سبحانه يضع الأشياء في مواضعها، ويوقعها في مواقعها، فأفعاله كلها دائرة بين العدل والفضل، كما أنها كلها مشتملة على الحكمة والمصلحة.
واعلم كذلك أن عقول العباد قاصرة عن إدراك سر حكمة الله تعالى في جميع أحكامه، فإذا أشكل على العبد شيء منها، فَلْيَكِله إلى عالمه، مستحضرا أنه سبحانه لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون.
وإذا تمهدت لك هذه المقدمات، فحاصل إشكالك أن الإخبار بدخول أهل التوحيد الجنة، يستلزم الترخيص لهم في المعاصي وتسهيلها عليهم، وليس ما ذكرته بشيء.
فإن أهل المعاصي عرضة لسوء الخاتمة -عياذا بالله- وأن يسلبوا التوحيد عند موتهم، فيكونوا من أهل النار خالدين مخلدين فيها عياذا بالله، ثم إن من مات على التوحيد وكان مصرا على كبائر الذنوب، فإنه عرضة للعذاب الشديد، وألا يدخل الجنة إلا بعد التمحيص، وقضاء ما عليه من عقوبة في النار، ومن الذي يطيق هذا؟ وغمسة واحدة في النار -أعاذنا الله منها بكرمه- تنسي العبد كل نعيم تنعم به في دار الدنيا.
فعلى العاصي أن يحذر هذه العاقبة السوء، وأن يعلم أنه وإن آل أمره إلى الجنة على تقدير موته على التوحيد، فهو عرضة لما لا قبل له به، ولا صبر له عليه، وكيف تزعم أنه يستوي عند الله من كان صالحا مقيما على الطاعات، وهذا الذي أعطى نفسه حظها من الشهوات؟ هذا عين الباطل، قال تعالى: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ {السجدة:18}. وكيف يستوي من يدخل الجنة لأول وهلة، مع من عذب بالنار مدة؟
ثم إن الدرجات في الجنة تتفاوت ويتفاضل أهل الجنة فيها، والله سبحانه لا يضيع أجر المحسنين، ولا يسوي بين من قضى عمره في طاعته، ومن أنفق ساعاته في معصيته ومحادته، قال تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ {الجاثية:21}.
فعليك أن تشغل نفسك بطاعة الله، وما يقربك منه، طالبا مرضاته، راجيا مثوبته، عالما أنه لا يظلم مثقال ذرة، وأن تحذر من تجده مقيما على المعاصي من سوء عاقبة فعله.
واطرد عن نفسك هذه الشكوك والأوهام الباطلة، القائمة على غير أساس.
والله أعلم.