الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاحمد الله على ما أولاك من النعم، ثم تب إليه توبة نصوحا، مستكملة لشروطها وأركانها، وأقلع عن تلك الذنوب فورا، واعزم على عدم معاودتها، واندم على ما فرط منك من تقصير، وإذا عدت فأذنبت، فعد وتب، وكرر التوبة مهما تكرر منك الذنب حتى يمن الله عليك بتوبة لا تقع بعدها في هذه الأوزار.
واعلم أن التوبة النصوح تمحو ما قبلها من الإثم، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وعليك لتدوم على هذه التوبة أن تراقب الله تعالى، وتستحضر اطلاعه عليك، وإحاطته بك، وأنه لا يخفى عليه شيء من أمرك، قال الله تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ {النساء:108}.
قال جار الله الزمخشري: ولا يستحيون منه وَهُوَ مَعَهُمْ، وهو عالم بهم، مطلع عليهم لا يخفى عليه خاف من سرهم، وكفى بهذه الآية ناعية على الناس ما هم فيه من قلة الحياء والخشية من ربهم، مع علمهم- إن كانوا مؤمنين- أنهم في حضرته، لا سترة، ولا غفلة ولا غيبة، وليس إلا الكشف الصريح والافتضاح. انتهى.
فلو استحضرت هذه المعاني في قلبك، لما أقدمت على مبارزته بالمعاصي وهو يراك، وأدم النظر والفكر في عواقب المعاصي الوخيمة، والتي أطال ابن القيم، وأطاب في سردها في الداء والدواء، فعليك بمطالعته؛ فإنه مهم لكل من رام السير في طريق الاستقامة.
واعتن بمذاكرتك واجتهد فيها، ونظم وقتك بحيث لا يكون عندك مجال لفعل ما لا يليق، واملأ وقت فراغك -إن وجد- بالذكر وتلاوة القرآن، والجأ إلى الله تعالى، وتضرع إليه أن يعصمك من الزلل؛ فإن القلوب بين إصبعين من أصابعه سبحانه، يقلبها كيف يشاء، واصحب الصالحين، وأدم مجالستهم، وتجنب صحبة البطالين وأهل الغفلة.
ولبيان بعض ما يعين على الخشوع في الصلاة، انظر الفتوى رقم: 124712.
فقوِّ إرادتك، وجاهد نفسك على التوبة النصوح، مجاهدة صادقة، وستصل إلى بغيتك من ذلك -إن شاء الله تعالى- قال جل اسمه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا {العنكبوت:69}.
والله أعلم.