الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشيطان قد جعل له الله تعالى القدرة على التشكل بأشكال مختلف المخلوقات، كما أوضحنا في الفتوى رقم: 61999، ولكن ينبغي الحذر من أن يتخذ هذا سبيلا للوقوع في أسر الوساوس والأوهام؛ بحيث ينظر المسلم إلى كل مخلوق أمامه أنه ربما يكون شيطانا. وإن كانت أمك على التفكير الذي ذكرته عنها، فقد وقعت في حبائل هذه الخواطر السيئة، وكونها كثيرا ما تقرأ القرآن، وتقوم الليل، وتحافظ على الأذكار لا يمنعها من الوقوع في ذلك، فينبغي أن ينصحها بعض الفضلاء بالحذر منه.
ولا ندري حقيقة ما تقصد أمك بتلاعب الشيطان بالإنسان الذي تصفه، ولا ماذا تقصد بوصف من تقدم لابنتها بأنه شيطان. وعلى كل فمبررات رد الخاطب تتعلق بدينه وخلقه لا بالرجم بالغيب، وما سمعنا عن أحد رد بمثل هذا المبرر، فلم نسمع أن خاطبا رد لأنه يمكن أن يكون شيطانا قد تمثل بصورته، ولو سار الناس على هذا التصور لتعطلت مصالحهم، فلن يتبايعوا، أو يتناكحوا، أو يتسامروا، فتتعطل المصالح ويصبح أفراد المجتمع مرضى نفسيين، وتفسد حياتهم، وهذا ما لا يرتضيه الشرع أو العقل.
وقد بينت السنة الصحيحة أن محل النظر من المسلم الذي يتقدم للخطبة هو الدين والخلق، ففي الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. فيتأكد قبول الخاطب الكفء وعدم رده.
قال المناوي في فيض القدير: (فزوجوه) إياها، وفي رواية: " فأنكحوه" أي: ندبًا مؤكدًا. اهـ.
والله أعلم.