الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فلم يذكر لنا السائل ما الذي يريده من إيراد هذا الحديث. هل يسأل عن صحته، أو مصدره، أم معناه؟ والذي يمكننا قوله باختصار أن هذا الحديث ثابت في الجملة، وجاء بألفاظ متقاربة، فقد رواه الإمام أحمد في المسند من حديث عائشة بلفظ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى نَاشِئًا فِي السَّمَاءِ سَحَابًا أَوْ رِيحًا اسْتَقْبَلَهُ مِنْ حَيْثُ كَانَ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ يَتَعَوَّذُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ شَرِّهِ، فَإِذَا أَمْطَرَتْ قَالَ: " اللهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا ". اهـ
وقد قال شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف لضعف شريك - وهو ابن عبد الله النَّخَعي - وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين.
ورواه أبو داود بلفظ: كَانَ إِذَا رَأَى نَاشِئًا فِي أُفُقِ السَّمَاءِ تَرَكَ الْعَمَلَ وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا» فَإِنْ مُطِرَ قَالَ: «اللَّهُمَّ صَيِّبًا هَنِيئًا» وصححه الألباني وشعيب الأرناؤوط.
ورواه البخاري في الأدب المفرد بلفظ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى نَاشِئًا فِي أُفُق مِنْ آفَاقِ السماء، ترك عمله -وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ- ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ؛ فَإِنْ كَشَفَهُ اللَّهُ حَمِدَ اللَّهَ، وَإِنْ مَطَرَتْ قَالَ: "اللهم صيّباً نافعاً" وصححه الألباني.
والمعنى أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا رأى سحابا ناشئا، أي حادثا مرتفعا في السماء تخوف أن يكون مقدمةً لعذابٍ قادمٍ، فإن عادا قوم هودٍ عليه السلام لما رأوا السحاب ظنوه مطرا نافعا، وكان في الحقيقة عذابا أليما مدمرا، كما قال تعالى عنهم في سورة الأحقاف: فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ {الأحقاف:24} فيخاف عليه الصلاة والسلام أن السحاب مقدمة لعذاب آتٍ، فيترك العمل الذي هو فيه، ويستقبل ذلك السحاب ويدعو الله تعالى ويتعوذ به من شر ما في السحاب، فإذا نزل المطر اطمأن، وحمد الله، ودعا بأن يكون المطر نافعا.
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا، حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ، قَالَتْ: وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا، عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَرَى النَّاسَ، إِذَا رَأَوْا الْغَيْمَ فَرِحُوا، رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عَرَفْتُ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةَ؟ قَالَتْ: فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ؛ مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ، قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ، فَقَالُوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}.
والله تعالى أعلم.