الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المنكر قد فُعِل وانتهى الأمر، فلا تبحث عمن ارتكبه، ولا تسأل عن فاعله، فإن المنكر إنما يجب إنكاره حال ارتكابه، وإنما ينكر كذلك إذا كان ظاهرًا غير مستتر به مرتكبه، ولا يجوز التجسس لاستكشاف المنكر، والاطلاع عليه، وذلك حال ارتكابه، فكيف بعد وقوعه وانقضائه؟
والمعصية كما قال أبو حامد الغزالي -رحمه الله- ثلاثة أنواع: فإما:
معصية قد وقعت، فالعقوبة عليها مردها لولاة الأمر، وليس لآحاد الناس الاحتساب فيها.
وإما معصية حاصلة، فهي التي يجب إنكارها بحسب الطاقة، ما لم يؤد إنكارها إلى منكر أكبر.
ومعصية متوقعة، فهذه الواجب فيها النصح والوعظ، لا الإنكار.
وعبارة الشيخ في الإحياء: فإذن المعصية لها ثلاثة أحوال:
إحداها: أن تكون متصرمة، فالعقوبة على ما تصرم منها حد، أو تعزير، وهو إلى الولاة، لا إلى الآحاد.
الثانية: أن تكون المعصية راهنة، وصاحبها مباشر لها، كلبسه الحرير، وإمساكه العود والخمر، فإبطال هذه المعصية واجب بكل ما يمكن، ما لم تؤد إلى معصية أفحش منها، أو مثلها، وذلك يثبت للآحاد، والرعية.
الثالثة: أن يكون المنكر متوقعًا، كالذي يستعد بكنس المجلس وتزيينه، وجمع الرياحين لشرب الخمر، وبعده لم يحضر الخمر، فهذا مشكوك فيه؛ إذ ربما يعوق عنه عائق، فلا يثبت للآحاد سلطنة على العازم على الشرب إلا بطريق الوعظ والنصح، فأما بالتعنيف والضرب، فلا يجوز للآحاد، ولا للسلطان. انتهى.
وقال أيضًا -رحمه الله- في سياق شروط النهي عن المنكر: الشرط الثاني: أن يكون موجودًا في الحال، وهو احتراز أيضًا عن الحسبة على من فرغ من شرب الخمر؛ فإن ذلك ليس إلى الآحاد، وقد انقرض المنكر.
واحتراز عما سيوجد في ثاني الحال، كمن يعلم بقرينه حال أنه عازم على الشرب في ليلته، فلا حسبة عليه إلا بالوعظ، وإن أنكر عزمه عليه، لم يجز وعظه أيضًا؛ فإن فيه إساءة ظن بالمسلم، وربما صدق في قوله. انتهى.
وإذا علمت هذا؛ تبين لك أنه لا يشرع لك البحث، ولا السؤال عن أي الشخصين فعل المنكر، ولكن لو وعظتهما موعظة عامة، مبينًا فيها حرمة ذلك المنكر، ووجوب التوبة منه على من فعله، كان ذلك حسنًا.
والله أعلم.