الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يرحم أباك، وأن يغفر له، وأن يعفو عنه، إنه جواد كريم.
وننصحكم بالمبادرة إلى قضاء ديون أبيكم كلها، سواء منها ما كان بسبب تجارة السيارات، وما كان بسبب القرض البنكي، وتحمل عمك بسدادها، أمر محمود، ويلزمه الوفاء بذلك على الراجح مطلقًا، جاء في شرح مختصر خليل للخرشي: وصح الضمان عن الميت المفلس، ولا خلاف في صحته عن الحي الموسر أو المعسر، ولا عن الميت الموسر. وأما عن الميت المعسر، فذهب الجمهور إلى صحته ولزومه، إن وقع، ومنعه أبو حنيفة. اهـ.
وفي البيان في مذهب الشافعي: يصح ضمان الدين عن الميت، سواء خلف وفاء لدينه أو لم يخلف، وبه قال مالك، وأبو يوسف، ومحمد. وقال الثوري، وأبو حنيفة: (لا يصح الضمان عن الميت إذا لم يخلف وفاء لماله، أو بضمان ضامن).
ثم ذكر الأدلة على صحة الضمان عنه، ولزومه، ومنها: حديث: " ... ومن خلف دينًا.. فعلي قضاؤه». فضمن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القضاء. وحديث: " ... فتحملها أبو قتادة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأرضاه- وقال: هما علي يا رسول الله، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حق الغريم عليك، والميت منه بريء؟"، فقال: نعم، فصلى عليه» انتهى بتصرف يسير.
وفي مسائل الإمام أحمد: وفيما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي قتادة: الديناران عليك - اللذان ضمنهما عن الميت- قال: نعم، فأعاد، فقال له: حق الغريم عليك، والميت منهما بريء. قال: نعم، فتقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة الدينارين، بعدما برئ الميت منهما، وضمنهما...".
ومع اعتبار ذلك الضمان والتحمل من عمك لدين المتوفى، واعتباره دينًا في ذمته، وقول بعض العلماء ببراءة ذمة الميت بذلك التحمل، وهو ما ذهب إليه أبو ثور، وحكي عن ابن أبي ليلي، وابن شبرمة، وداود، وهو رواية عند الحنابلة، أن ذمة المضمون تبرأ بمجرد الضمان، لكن مع ذلك ينبغي المبادرة إلى سداد الدين وتعجيله، ولو كان مؤجلًا.
ففي حديث أبي قتادة لما تحمل دين المتوفى ليصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم: ثم قال بعد ذلك بيوم: ما فعل الديناران؟ قال: إنما مات أمس. قال: فعاد إليه من الغد، فقال: قد قضيتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن بردت عليه جلده. رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وصححه ابن حبان، والحاكم.
فقوله: "بردت عليه جلده": فيه دليل على أن خلوص الميت من ورطة الدين، وبراءة ذمته على الحقيقة. ورفع العذاب عنه إنما يكون بالقضاء عنه، لا بمجرد التحمل بالدين بلفظ الضمانة؛ ولهذا سارع النبي صلى الله عليه وسلم إلى سؤال أبي قتادة في اليوم الثاني عن القضاء.
ويحسن التنبيه هنا على أن الديون المؤجلة على الميت هل تحل بموته أم يبقى الأجل حقًّا للورثة؟ والجمهور على أنها تحل بالموت، وقولهم أحوط، وانظري الفتوى رقم: 128435.
وأمّا ما ذكرت من كون البنك سيزيد مبلغ القرض إذا أردتم السداد قبل الأجل، فهذا مستغرب، والمعروف من حال البنوك ونحوها أنها تسقط بعض الدين عند التعجيل، أو تستوفيه كاملًا.
وعلى أية حال؛ فإن كان الحال كما ذكرت من ترتب زيادة عند تعجيل السداد، فلا يلزمكم التعجيل، ولا حرج عليكم في السداد عند الأجل المضروب.
والله أعلم.