الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فنقول ابتداء: إن هذا ليس هو السؤال الأول للأخ السائل في موضوع الشرك والكفر، وكثرة تشقيق المسائل وتفريعها والتدقيق فيها هذا يدخل في السؤال المذموم، ويدل على شيء من الوسوسة، فنرجو أن ينتبه الأخ السائل لهذا، والذي يمكننا قوله باختصار: إن ضابط الاستغاثة الشركية هي أن يستغيث بمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح كتاب التوحيد مبينا ضابطها:
قول من قال من أهل العلم: إن الاستغاثة شرك أكبر إذا استغاث بالمخلوق فيما لا يقدر عليه، فإن هذا يَرِد عليه: أن ثمت أشياء قد يكون المخلوق في ظاهر الأمر قادرا عليها، ولكنه في الحقيقة لا يقدر عليها، لكن هذا الضابط غير منضبط؛ لأن من وقع في شدة - كغرق مثلا - وتوجه لرجل يراه بأن يغيثه فقال مخاطبا إياه: أستغيث بك، أستغيث بك، أستغيث بك، وذاك لا يحسن السباحة، ولا يحسن الإنجاء من الغرق، فهذا يكون قد استغاث بالمخلوق فيما لا يقدر عليه المخلوق، فهل يكون شركا أكبر؟ لا يكون منه؟ لأن الإغاثة من الغرق ونحوه، يصلح - في الغالب - أن يكون المخلوق قادرا عليها، فيكون الضابط الثاني هو الصحيح، وهو أن يقال: الاستغاثة بغير الله شرك أكبر إذا كان قد استغاث بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، أما إذا استغاث به فيما يقدر عليه غير الله من المخلوقين، لكن هذا المخلوق المعين لم يقدر على هذا الشيء المعيّن: فإنه لا يكون شركا؛ لأنه ما اعتقد في المخلوق شيئا لا يصلح إلا لله - جل جلاله - فالاستغاثة بغير الله إذا كانت فيما لا يقدر عليه إلا الله، فهي: شرك أكبر، وإذا كانت فيما يقدر عليه المخلوق، فهي جائزة؛ كما حصل من صاحب موسى، إذ استغاث بموسى عليه السلام. اهـ
وزعم المستغيث بالولي أنه يؤمن بأن ذلك الولي لا يتصرف إلا بإذن الله، هذا لا يُخرج الاستغاثة به من دائرة الشرك؛ لأن الاستغاثة به تعتبر دعاءً، ودعاء غير الله شرك.
قال الشيخ السعدي رحمه الله: الفرق بين الدعاء والاستغاثة، أن الدعاء عام في كل الأحوال، والاستغاثة هي الدعاء لله في حالة الشدائد، فكل ذلك يتعين إخلاصه لله وحده، وهو المجيب لدعاء الداعين المفرج لكربات المكروبين، ومن دعا غيره من نبي أو ملك أو ولي أو غيرهم، أو استغاث بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك كافر، وكما أنه خرج من الدين فقد تجرد أيضا من العقل . اهــ
والله تعالى أعلم.