الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلبس النساء السواد في العزاء، ليس له أصل، وإنما أجاز بعض الفقهاء لبسه للمرأة المحدة، كما بيناه في الفتوى رقم: 35476.
وتوزيع أهل الميت على المعزين العصائر والبسكويت أو القهوة، مختلف فيه، فمن أهل العلم من منعه، ومنهم من أجازه. وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 252442 عن مذاهب العلماء في استقبال المعزين في البيت، وذكرنا فيها قول الشيخ ابن باز في أنه لا حرج لو أكرم صاحب العزاء المعزين بالقهوة، أو الشاي، أو الطيب.
قال ابن قدامة في المغني: فَأَمَّا صُنْعُ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا لِلنَّاسِ، فَمَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى مُصِيبَتِهِمْ، وَشُغْلًا لَهُمْ إلَى شُغْلِهِمْ، وَتَشَبُّهًا بِصُنْعِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَرُوِيَ أَنَّ جَرِيرًا وَفَدَ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ: هَلْ يُنَاحُ عَلَى مَيِّتِكُمْ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَلْ يَجْتَمِعُونَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ، وَيَجْعَلُونَ الطَّعَامَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: ذَاكَ النَّوْحُ. وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ جَازَ؛ فَإِنَّهُ رُبَّمَا جَاءَهُمْ مَنْ يَحْضُرُ مَيِّتَهُمْ مِنْ الْقُرَى وَالْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ، وَيَبِيتُ عِنْدَهُمْ، وَلَا يُمْكِنُهُمْ إلَّا أَنْ يُضَيِّفُوهُ. اهـ.
إلا أننا ننبه إلى أنه لا يجوز أن تكون الضيافة من تركة الميت إذا كان في الورثة صغار، لا عصير ولا بسكويت ولا غير ذلك، كما نص عليه الفقهاء. جاء في الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي الشافعي عن الإنفاق في العزاء: وَيَحْرُمُ عَلَى وَارِثٍ، أَوْ وَصِيٍّ جَعْلُهُ مِنْ التَّرِكَةِ إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ. اهـ.
ولا يجوز الأكل من هذا إذا رجعت به والدتك للبيت؛ لأنه مال أخذ بغير حق.
والتعزية مشروعة في الأيام الثلاثة الأولى، وتكره بعدها.
جاء في الموسوعة الفقهية: جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ مُدَّةَ التَّعْزِيَةِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِإِذْنِ الشَّارِعِ فِي الإْحْدَادِ فِي الثَّلاَثِ فَقَطْ، بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَحِل لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ، أَنْ تَحُدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ـ وَتُكْرَهُ بَعْدَهَا، لأِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا سُكُونُ قَلْبِ الْمُصَابِ، وَالْغَالِبُ سُكُونُهُ بَعْدَ الثَّلاَثَةِ، فَلاَ يُجَدَّدُ لَهُ الْحُزْنُ بِالتَّعْزِيَةِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا ـ الْمُعَزَّى أَوِ الْمُعَزِّي ـ غَائِبًا فَلَمْ يَحْضُرْ إِلاَّ بَعْدَ الثَّلاَثَةِ، فَإِنَّهُ يُعَزِّيهِ بَعْدَ الثَّلاَثَةِ. اهـ.
وأما ما يسمى بالأربعينية -وهي ما يفعله أهل الميت بعد مرور أربعين يوماً على موته من صدقة، أو قراءة، أو اجتماع و نحوهما- فيعد من البدع المنكرة في أصلها، إذ لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من أصحابه، أو من يقتدى به من أهل العلم بعدهم، يفعلون ذلك لأحد من موتاهم، فالواجب الحذر.
والاجتماع لقراءة القرآن للميت في العزاء، غير مشروع، وانظر الفتوى رقم: 47920.
وليس من السنة المداومة على إقامة الدروس والمحاضرات في العزاء بصفة مرتبة ومعد لها، ولكن لو حصل ذلك مرة بدون ترتيب مسبق، فلا حرج فيه. وانظر الفتوى رقم: 194201 عن حكم توزيع المطويات وإلقاء الدروس في مناسبات العزاء.
والله تعالى أعلم.