الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فالطعام والشراب الذي مات فيه النمل -سواء كان عسلا أو غيره- لا يتنجس؛ لأن ميتة النمل طاهرةً، لكونه مما لا نفس له سائلة.
جاء في شرح المنتهى: وَمَيْتَةُ مَا لَا نَفْسَ: أَيْ دَمَ لَهُ يَسِيلُ، كَالْخُنْفُسَاءِ وَالْعَنْكَبُوتِ، وَالذُّبَابِ وَالنَّحْلِ وَالزُّنْبُورِ وَالنَّمْلِ وَالدُّودِ مِنْ طَاهِرٍ ... طَاهِرَةٌ. لِحَدِيثِ «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ، فَلْيَمْقُلْهُ؛ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي لَفْظٍ: "فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ" وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ بَارِدٍ وَحَارٍّ، وَدُهْنٍ مِمَّا يَمُوتُ الذُّبَابُ بِغَمْسِهِ فِيهِ. فَلَوْ كَانَ يُنَجِّسُهُ، كَانَ آمِرًا بِإِفْسَادِهِ .. اهــ مختصرا.
فيزال النمل من ذلك الطعام أو الشراب، ثم يؤكل أو يُشرب، ولا يُؤكلُ النمل مع الطعام أو الشراب إذا أمكن إزالته لأمرين:
أولهما: لأنه من الحشرات.
قال ابن هبيرة: واتفقوا -يعني الأئمة الأربعة- على أن حشرات الأرض محرمة إلا مالكا، فإنه كرهها من غير تحريم في إحدى الروايتين، وفي الأخرى قال: هي حرام. اهـ.
وثانيا: لكونه منهيا عن قتله.
قال النووي في المجموع: مَا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ حَرُمَ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَّ أَكْلُهُ، لَمْ يُنْهَ عَنْ قَتْلِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُنْهَ عَنْ قَتْلِ الْمَأْكُولِ، فَمِنْ ذَلِكَ النَّمْلُ وَالنَّحْلُ فَهُمَا حَرَامٌ ... اهـ.
وإن تعذر إزالته، أُكل مع الطعام ولا حرج.
جاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير عن ميتة ما لا نفس له سائلة: إنْ وَقَعَ فِي طَعَامٍ وَمَاتَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مُتَمَيِّزًا عَنْهُ، أَكَلَ الطَّعَامَ وَحْدَهُ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ عَنْ الطَّعَامِ وَاخْتَلَطَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الطَّعَامِ أُكِلَ هُوَ وَالطَّعَامُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ لَمْ يُؤْكَلْ، فَإِنْ شُكَّ فِي كَوْنِهِ أَقَلَّ مِنْ الطَّعَامِ أُكِلَ أَوْ لَا أُكِلَ مَعَ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ لَا يُطْرَحُ بِالشَّكِّ، وَلَيْسَ هَذَا كَضُفْدَعَةٍ شَكَّ فِي كَوْنِهَا بَحْرِيَّةً أَوْ بَرِّيَّةً فَلَا تُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ هَذَا شَكٌّ فِي إبَاحَةِ الطَّعَامِ، وَإِبَاحَتُهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُحَقَّقَةٌ، وَالشَّكُّ فِي الطَّارِئِ عَلَيْهَا، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ فَهُوَ لِابْنِ يُونُسَ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. اهـ.
والله تعالى أعلم.