الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الكلام ينبغي أن يحمل على ما هو معروف من لغة أهل الحجاز، حيث يطلقون الكذب على الخطأ.
فقد قال ابن حجر في لسان الميزان: برد" مولى سعيد بن المسيب، عن مولاه، وعنه عبد الرحمن بن حرملة. قال ابن حبان في الثقات: كان يخطئ، وأهل الحجاز يسمون الخطأ كذبا. قلت: يعني قول مولاه: لا تكذب علي، كما كذب عكرمة على ابن عباس -رضى الله عنهما-. اهـ.
وأما عكرمة فقد وثقه كثير من أهل العلم، ونقل ابن حجر عن ابن عباس تزكيته.
فقد قال في تهذيب التهذيب: قال عمر بن فضيل، عن عثمان بن حكيم: كنت جالسا مع أبي أمامة بن سهل بن حنيف، إذ جاء عكرمة فقال: يا أبا أمامة أذكرك الله: هل سمعت ابن عباس يقول: ما حدثكم عكرمة عني فصدقوه؛ فإنه لم يكذب علي، فقال أبو أمامة: نعم.. اهـ.
وقد أطنب في تزكيته وتوثيقه أيضا فقال في تهذيب التهذيب: عدله أمة من نبلاء التابعين فمن بعدهم، وحدثوا عنه واحتجوا بمفاريده في الصفات والسنن والأحكام. روى عنه زهاء ثلاثمائة رجل من البلدان، منهم زيادة على سبعين رجلا من خيار التابعين ورفعائهم، وهذه منزلة لا تكاد توجد لكثير أحد من التابعين، على أن من جرحه من الأئمة، لم يمسك من الرواية عنه، ولم يستغنوا عن حديثه، وكان يتلقى حديثه بالقبول، ويحتج به قرنا بعد قرن، وإماما بعد إمام إلى وقت الأئمة الأربعة، الذين أخرجوا الصحيح وميزوا ثابته من سقيمه، وخطأه من صوابه، وأخرجوا روايته وهم: البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، فأجمعوا على إخراج حديثه، واحتجوا به، على أن مسلما كان أسوأهم رأيا فيه، وقد أخرج عنه مقرونا، وعدله بعدما جرحه. وقال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي: قد أجمع عامة أهل العلم بالحديث على الاحتجاج بحديث عكرمة، واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث من أهل عصرنا منهم أحمد بن حنبل، وابن راهويه ويحيى بن معين، وأبو ثور. ولقد سألت إسحاق بن راهويه عن الاحتجاج بحديثه، فقال: عكرمة عندنا إمام الدنيا، تعجب من سؤالي إياه. وحدثنا غير واحد أنهم شهدوا يحيى بن معين، وسأله بعض الناس عن الاحتجاج بعكرمة، فأظهر التعجب، قال أبو عبد الله: وعكرمة قد ثبتت عدالته بصحبة بن عباس وملازمته إياه، وبأن غير واحد من العلماء قد رووا عنه وعدلوه. قال: وكل رجل ثبتت عدالته، لم يقبل فيه تجريح أحد حتى يبين ذلك عليه بأمر لا يحتمل غير جرحه. وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو عمر بن عبد البر فيه نحوا مما تقدم عن محمد بن نصر، وبسط أبو جعفر الطبري القول في ذلك ببراهينه وحججه في ورقتين، وقد لخصت ذلك وزدت عليه كثيرا في ترجمته من مقدمة شرح البخاري، وسبق إلى ذلك أيضا المنذري في جزء مفرد...اهـ.
والله أعلم.