الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الظلم في تحريمه حقان: حق لله عز وجل، وحق للمظلوم، فإن عفا المظلوم عن ظالمه سقط حقه بذلك، ولم يسقط حق الله عز وجل عن الظالم، بل لا بد أن يتوب الظالم من ظلمه ـ بالندم والإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم الأوبة إلى الظلم ـ ليسقط حق الله عنه، ويسلم من عقوبة الظلم في الدنيا والآخرة، وأما إن لم يتب الظالم من الظلم فهو معرض للوعيد العاجل والآجل ـ وإن عفا عنه المظلوم ـ إلا أن يعفو الله عنه.
جاء في غذاء الألباب: كل حق لآدمي يتعلق به حق الله، لأن معاطاة ما لا يشرع معصية، والإقدام على المعصية من حقوق الله، لأن الله حد حدودا يجب الوقوف عليها، ولا يخلو حق الآدمي من كونه إما ينجبر بمثله من الأموال والجراحات وقيم المتلفات أو لا، فالأول لا بد من رد كل مظلمة لأهلها من مال ونحوه، وتمكين ذي القصاص منه على الوجه المشروع، فإن تاب وندم وأقلع وعزم أن لا يعود ولم يرد المظالم إلى أهلها، فهل تقبل توبته أم لا؟ ظاهر كلام شيخ الإسلام وغيره أن التوبة تقبل، ويسقط بها حق الله تعالى من الإقدام وانتهاك حرمته تعالى وتعديه حدوده، ويبقى في ذمة العاصي مظلمة الآدمي ومطالبته على حالها، لأنه قال نحن لا نمنع أن يكون مطالبا بمظالم الآدميين، ولكن لا يمنع هذا صحة التوبة، كالتوبة من السرقة وقتل النفس وغصب الأموال، فإنها صحيحة مقبولة، والأموال والحقوق للآدمي لا تسقط. اهـ.
وقال ابن القيم: والتحقيق في هذه المسألة أن القاتل يتعلق به ثلاثة حقوق: حق لله، وحق للمظلوم المقتول، وحق للولي، فإذا سلم القاتل نفسه طوعا واختيارا إلى الولي ندما على ما فعل، وخوفا من الله وتوبة نصوحا يسقط حق الله بالتوبة، وحق الولي بالاستيفاء أو الصلح أو العفو، وبقي حق المقتول يعوضه الله عنه يوم القيامة عن عبده التائب المحسن، ويصلح بينه وبينه، فلا يبطل حق هذا، ولا تبطل توبة هذا.
وانظر للفائدة الفتويين رقم: 94603، ورقم: 208948 .
والله أعلم.