الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما مقدمة السؤالين: فهي صحيحة، ومستفادة من كلام أهل العلم، كما نقلت السائلة عن شفاء العليل لابن القيم، وقد قال في كتاب بدائع الفوائد: أفعال الرب تبارك وتعالى صادرة عن أسمائه وصفاته، وأسماء المخلوقين صادرة عن أفعالهم، فالرب تبارك وتعالى فعاله عن كماله، والمخلوق كماله عن فعاله، فاشتقت له الأسماء بعد أن كمل بالفعل، فالرب لم يزل كاملا، فحصلت أفعاله عن كماله، لأنه كامل بذاته وصفاته، فأفعاله صادرة عن كماله، كمل ففعل، والمخلوق فعل فكمل، الكمال اللائق به. اهـ.
وقال قبله شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يكون عدم الشيء نقصا إلا بهذين الشرطين: بأن يكون عدمه ممكنا، ويكون وجوده خيرا من عدمه، فإذا كان عدمه ممتنعا ـ كعدم الشريك والولد ـ فهذا مدح وصفة كمال، وإذا كان عدمه ممكنا فالأولى عدمه، كالأشياء التي لم يخلقها، فإنه كان أن لا يخلقها أكمل من أن يخلقها، كما أن ما خلقه كان أن يخلقه أكمل من أن لا يخلقه. اهـ.
وأما السؤال الأول المتعلق بخلود أهل الجنة والنار، فجوابه أن: نعم، وهذا شأن كل ما قضاه الله تعالى وقدَّره، فهو مقتضى أسماء جلاله وصفات كماله، قال ابن الوزير اليماني في العواصم من القواصم: إن الله قد أنبأنا عن صفاته العلى، وأسمائه الحسنى، التي منها: العزيز، الملك، الغفار، المنتقم، فجرى الخلق في صفاتهم وأفعالهم على مقتضى صفاته، فلم يكن بد لأجل كونه غفارا من أن يكون هناك ذنب، ولكونه منتقما، أن يكون هناك هتك حرمة، واقتحام فاحشة، ولكونه مغنيا، أن يكون هنالك محتاج، ولكونه راضيا، أن يكون هنالك خير، ولكونه ساخطا، أن يكون هنالك شر، وليس في المخلوقات صفة إلا وهي تتعلق بنوع من الصفات، فالقضاء والقدر هو تعلق المخلوقات بصفات الخالق، والتنويع والانقسام من متعلقات الإرادة، التي لا يؤمنون بها وهم لها منكرون. اهـ.
وقال السعدي في مقدمة تفسيره: العلم به تعالى أصل الأشياء كلها، حتى إن العارف به حقيقة المعرفة، يستدل بما عرف من صفاته وأفعاله على ما يفعله، وعلى ما يشرعه من الأحكام، لأنه لا يفعل إلا ما هو مقتضى أسمائه وصفاته، فأفعاله دائرة بين العدل والفضل والحكمة. اهـ.
وأما السؤال الثاني فجوابه: أن ذلك من الغيبيات التي لا ينبغي الجزم فيها إلا بدليل من نصوص الوحي، وراجعي الفتوى رقم: 28653.
والله أعلم.