الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما قام به هذا الشخص من جلد نفسه غير صحيح, ولا مفيد، قال الماوردي -رحمه الله-:... ولو جلد نفسه لم يجزه، والفرق بينهما أن الحد حق يستوفى منه، فلم يجز أن يكون مستوفيه. انتهى.
فإقامة الحدود موكولة إلى الإمام، وليست لآحاد الناس، كما بينّاه في الفتوى رقم: 29819.
وليس من شرط توبة الزاني أن يقام عليه الحد، ولكن تكفيه التوبة بينه وبين الله، وهو مندوب إلى ستر نفسه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا، فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ، نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ. رواه مالك في الموطأ.
قال ابن عبد البر -رحمه الله-:.. فيه أيضًا ما يدل على أن الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا أتى فاحشة.
والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العود إليه، فمتى حقق هذه الشروط، فهو عفيف مكافئ للعفيفات، وليس صحيحًا أنّه ممنوع من تزوج العفيفات، فالمقصود بالحديث المذكور الزاني الذي لم يتب، وذكر الجلد لكونه دليلًا على اشتهاره بالفاحشة، قال القرطبي -رحمه الله-: قال ابن خويز منداد: وإنما ذكر المجلود؛ لاشتهاره بالفسق.
أمّا التائب: فلا يوصف بكونه زانيًا؛ لأنّ التوبة تمحو ما قبلها، قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في كلامه على نكاح المرأة الزانية:.. وهي قبل التوبة في حكم الزنى، فإذا تابت زال ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب، كمن لا ذنب له ـ وقوله: التوبة تمحو الحوبة.
وكلام الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ ليس فيه ما يخالف ما ذكرناه لك، فهو يقرر أنّ الزاني لا يزوج من عفيفة إلا إذا تاب.
والله أعلم.