الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله لجميع المسلمين أن يحفظهم وينصرهم، ويفرج كروبهم، ويعافيهم من المحن.
واعلم أن مما يسلي المسلم أن يستحضر أن هذه الدنيا دار امتحان واختبار وابتلاء، والمؤمن فيها متقلب بين حال وحال، قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا {الملك:2}، وقال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35}.
وروى الشيخان في صحيحيهما عن كعب بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مثل المؤمن كمثل الخامة (النبتة أو القصبة اللينة) في الزرع تفيئها (تقلبها) الريح، تصرعها مرة، وتعدلها أخرى حتى تهيج (تيبس) ومثل المنافق كالأرزة، لا تزال حتى يكون انجعافها مرة واحدة.
وقد يكون البلاء بفقد الأنفس والأموال. فمن صبر؛ فاز بالرحمة والمغفرة، ورفع الدرجات. ومن قتل ظلما كان من الشهداء؛ كما قال الله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ. [البقرة:155-157].
وفي الصحيحين عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها؛ إلا حط الله سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها.
وفي صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها؛ إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة.
وقال صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كان له بها أجر. متفق عليه عن ابن سعيد وأبي هريرة.
قال علماء اللجنة الدائمة: الله سبحانه حكيم عليم بما يصلح شأن عباده، عليم بهم، لا يخفى عليه شيء، فيبتلي عباده المؤمنين بما يصيبهم من مختلف أنواع المصائب في أنفسهم، وأولادهم، وأحبابهم، وأموالهم؛ ليعلم الله سبحانه -علماً ظاهراً- المؤمن الصابر المحتسب من غيره، فيكون ذلك سبباً لنيله الثواب العظيم من الله جل شأنه، وليعلم غير الصابر من الجزعين الذين لا يؤمنون بقضاء الله وقدره، أو لا يصبرون على المصائب، فيكون ذلك سبباً في زيادة غضب الله عليهم، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، وقال سبحانه وتعالى: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ) إلى أن قال: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)، وقال سبحانه: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)، والعلم الظاهر: الموجود بين الناس، وإلا فهو سبحانه يعلم في الأزل الصابر وغيره.......اهـ.
وراجع للمزيد في الموضوع، الفتوى رقم: 117139.
والله أعلم.