الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بد أن ننبه أولا إلى أن الحكم على المعين بالكفر من أخطر أمور الدين، ولا يجوز الخوض فيه والحكم به إلا لمن أهلهم الشرع لذلك، وانظر الفتوى رقم: 320668.
أما من حيث الحكم العام، فإن كفر اليهود والنصارى لا يُختلف فيه، بل هو معلوم من الدين بالضرورة، ومن كان كفره كذلك يكفر من أنكر كفره أو شك فيه، وراجع لمزيد الفائدة عن ذلك الفتوى رقم: 12718.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: اليهود والنصارى كفار كفراً معلوماً بالاضطرار من دين الإسلام. اهـ.
وقال القاضي عياض في الشفا: وقع الإجماع على تكفير كل من دافع نص الكتاب، أو خص حديثا مجمعا على نقله مقطوعا به مجمعا على حمله على ظاهره، كتكفير الخوارج بإبطال الرجم، ولهذا نكفر من لم يكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك. اهـ.
وقال الحجاوي في الإقناع:.. أو لم يكفر من دان بغير الإسلام: كالنصارى، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم ... فهو كافر. اهـ.
وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع: هذه مسألة خطيرة، إذا لم يكفر من دان بغير الإسلام، فهو كافر، فهناك أناس جهال سفهاء، يقولون: إنه لا يجوز أن نكفر اليهود والنصارى!! فكيف لا تكفرهم، وهم الذين يصفون ربك بكل عيب؟! وكيف لا تكفر من قال: إن ربك ثالث ثلاثة؟! ولماذا لا تكفر من يقول: إن ربك له أبناء؟! ولماذا لا تكفر من يقول: إن يدي ربك مغلولة؟! ولماذا لا تكفر من يقول: إن الله فقير؟! إذا قالوا هذا، قلنا: أنتم كفار، ولا شك في كفر من شك في كفركم، ولا أحد يشك في أن اليهود والنصارى والمجوس والوثنيين كلهم كفار، ولو قالوا: آمنا بالله، نقول: كذبتم، أنتم كافرون بالله العظيم وبرسله... اهـ.
وسئل ابن باز: ما حكم من لم يكفر اليهود والنصارى؟ فأجاب: هو مثلهم، من لم يكفر الكفار فهو مثلهم، الإيمان بالله هو تكفير من كفر به، ولهذا جاء في الحديث الصحيح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله ـ ويقول جل وعلا: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ـ فلا بد من الإيمان بالله، وتوحيده والإخلاص له، والإيمان بإيمان المؤمنين، ولا بد من تكفير الكافرين، الذين بلغتهم الشريعة ولم يؤمنوا، كاليهود والنصارى والمجوس والشيوعين وغيرهم، ممن يوجد اليوم وقبل اليوم، ممن بلغتهم رسالة الله ولم يؤمنوا، فهم من أهل النار كفار، نسأل الله العافية. اهـ.
وعلى ذلك؛ فالأصل أنه لا يعذر أحد بجهله في عدم اعتقاد كفر اليهود والنصارى، اللهم إلا من كان حاله يستدعي العذر، كمن أسلم حديثا، فلا يعرف حكم الله ونص كتابه فيهم، فمثل هذا لا يحكم بكفره إلا بعد البيان وبلوغ العلم وقيام الحجة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما من لم تقم عليه الحجة مثل أن يكون حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه فيها شرائع الإسلام ونحو ذلك، أو غلط فظن أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستثنون من تحريم الخمر، كما غلط في ذلك الذين استتابهم عمر، وأمثال ذلك، فإنهم يستتابون وتقام الحجة عليهم، فإن أصروا كفروا حينئذ، ولا يحكم بكفرهم قبل ذلك. انتهى.
ويمكن أن ينزل هذا على من وجد في مجتمع يشيع فيه الجهل، ويكثر فيه التحريف والتزييف والتلبيس، فلا يحكم بكفره حتى تزال شبهته، وتقام عليه الحجة التي يكفر جاحدها، ولذلك قال الشيخ ابن باز رحمه الله: من قال: إن اليهود النصارى ليسوا كفاراً، وهو ممن يعرف الأدلة الشرعية ومن أهل العلم يبين له حتى يعرف أنهم كفار، وإذا شك في كفرهم كفر، لأن من شك في كفر الكافر الواضح كفره كفر، واليهود والنصارى من الكفار الذين قد علم كفرهم وضلالهم وعرفه الناس عاميهم وغير عاميهم، وهكذا الشيوعيون الذين يجحدون وجود الله، وينكرون وجود الله كفرهم أكثر وأبين من كفر اليهود والنصارى، والقاعدة الكلية في هذا أن الذي توقف في كفر بعض الناس لا يستهزأ بكفره حتى يوضح له الأمر، وحتى تزال عنه الشبهة التي من أجلها توقف عن تكفير الكافرين. انتهى من موقع الشيخ على الإنترنت.
وقال في موضع آخر: من لم يكفر الكافر فهو مثله إذا أقيمت عليه الحجة وأبين له الدليل فأصر على عدم التكفير، كمن لا يكفر اليهود أو النصارى أو الشيوعيين أو نحوهم ممن كفره لا يلتبس على من له أدنى بصيرة وعلم. اهـ.
وسئل الشيخ عبد العزيز الراجحي: ما حكم من يقول: إن الشخص إذا لم يكفر النصارى لعدم بلوغ آية سورة المائدة: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ... فإنه لا يكفر حتى يعلم بالآية؟ فأجاب: هذا فيه تفصيل، إذا كان هذا الشخص لا يعلم أن النصارى على باطل، فهذا لا بد أن تقام عليه الحجة، أما إذا كان يعلم أنهم على باطل وأن الله كفَّرهم ولا تخفى عليه النصوص فهو كافر، لأنه لم يكفِّر المشركين. اهـ.
والله أعلم.