الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب في أن كل ما يحدث في هذا الكون فهو بقضاء الله وقدره، كما قال سبحانه: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49}.
فكل ما يصيب العبد فهو بقدر الله، سواء كان للعبد تسبب فيه أو لم يكن له تسبب فيه ـ فالأسباب نفسها من قدر الله ـ وأما النظر إلى القدر بعد وقوع المقدور: فهو سائغ في المصائب كلها، ولو كان للعبد تسبب فيها بتفريط أو نحوه، فإنه يشرع للعبد أن يسترجع ربه، ويصبر على ما أصابه، وأما الذنوب والمعايب: فإنه لا يسوغ الاحتجاج فيها بالقدر بعد وقوعها، وإنما يؤمر العبد بالتوبة منها، قال ابن تيمية: ولو هدوا لعلموا أن القدر أمرنا أن نرضى به ونصبر على موجبه في المصائب التي تصيبنا: كالفقر، والمرض، والخوف، قال تعالى: ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه {التغابن: 11} قال بعض السلف: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم ـ وقال تعالى: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم {الحديد: 22-23} وفي الصحيحين: عن النبي أنه قال: احتج آدم وموسى، فقال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فلماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فقال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، فهل وجدت ذلك مكتوبا علي قبل أن أخلق؟ قال: نعم، قال: فحج آدم موسى ـ وآدم ـ عليه السلام ـ لم يحتج على موسى بالقدر ظنا أن المذنب يحتج بالقدر، فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل، ولو كان هذا عذرا لكان عذرا لإبليس، وقوم نوح، وقوم هود، وكل كافر، ولا موسى لام آدم أيضا لأجل الذنب، فإن آدم قد تاب إلى ربه فاجتباه وهدى، ولكن لامه لأجل المصيبة التي لحقتهم بالخطيئة، ولهذا قال: فلماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فأجابه آدم أن هذا كان مكتوبا قبل أن أخلق، فكان العمل والمصيبة المترتبة عليه مقدرا، وما قدر من المصائب يجب الاستسلام له، فإنه من تمام الرضا بالله ربا، وأما الذنوب فليس للعبد أن يذنب، وإذا أذنب فعليه أن يستغفر ويتوب، فيتوب من المعائب ويصبر على المصائب، قال تعالى: فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك {غافر: 55}. اهـ.
والله أعلم.