الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالمفتى به عندنا فيمن قال "أعاهد الله على كذا" أنها تارة تكون يميناً ونذراً، وتارة يميناً فقط، على ما فصلناه في الفتوى رقم: 342979.
والذي نراه أن قولك داخل فيما هو نذر ويمين، فيلزمك التصدق بما نذرته شهريا -كما قلت- ومتى عجزت عن الوفاء بالنذر، فلا إثم عليك، ولو كفرت كفارة يمين لكان أحوط، وكذا لو قضيت إخراج هذا المبلغ المنذور متى تيسر كان أحوط؛ لأن من العلماء من يوجب إخراجه مستقبلا ولا يسقطه بالعجز عنه في وقته، وبكل حال يلزمك التصدق بنصف الأرباح في كل شهر قدرت فيه على الوفاء بالنذر.
جاء في الموسوعة الفقهية: مَنْ نَذَرَ طَاعَةً فَلَمْ يُطِقْ أَدَاءَهَا ابْتِدَاءً، أَوْ عَجَزَ عَنْ أَدَائِهَا بَعْدَ أَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهَا، اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ مَا نَذَرَهُ، وَمَا يَلْزَمُهُ بِهَذَا النَّذْرِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ:
الْمَذْهَبُ الأْوَّل: يَرَى أَصْحَابُهُ أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَا لاَ يُطِيقُ أَبَدًا، فَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِهَذَا النَّذْرِ، وَكَذَلِكَ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي وَقْتٍ مُحَدَّدٍ، فَجَاءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَهُوَ لاَ يُطِيقُ أَدَاءَ مَا نَذَرَ، فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَلاَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ....
الْمَذْهَبُ الثَّانِي: يَرَى مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَا لاَ يُطِيقُ الْوَفَاءَ بِهِ، أَوْ يَعْجِزُ عَنِ الْوَفَاءِ بِهِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ تَقْدِيرًا بِأَدَاءِ خَلَفِهِ.
الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ نَذَرَ صَلاَةً أَوْ صَوْمًا أَوِ اعْتِكَافًا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، فَعَجَزَ عَنْ أَدَاءِ هَذِهِ الْقُرَبِ فِيهِ، لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ لِلتَّأْخِيرِ عَنْ هَذَا الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ، وَإِنْ نَذَرَ صَدَقَةً فَأَعْسَرَ بِهَا، سَقَطَ عَنْهُ النَّذْرُ مَا دَامَ مُعْسِرًا، فَإِذَا أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَبَ أَدَاؤُهَا ...
الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: يَرَى مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ -وَهُمُ الْحَنَابِلَةُ- أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَدَاءَ الصِّيَامِ أَوِ الصَّلاَةِ أَوِ الاِعْتِكَافِ، أَوِ الطَّوَافِ أَوْ نَحْوِهَا، فَلَمْ يُطِقْ أَدَاءَهَا أَوْ عَجَزَ عَنْهُ عَجْزًا لاَ يُرْجَى زَوَالُهُ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَإِذَا كَانَ عَجْزُهُ عَنْ ذَلِكَ مَرْجُوَّ الزَّوَال، انْتَظَرَ زَوَالَهُ، وَأَدَّى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ، وَلاَ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. اهــ مختصرا.
والله تعالى أعلم.