الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت المرأة وقعت في فاحشة الزنا ـ والعياذ بالله ـ فقد ارتكبت إثماً عظيماً، فلا ريب في كون الزنا من أفحش الذنوب، ومن أكبر الكبائر التي تجلب غضب الله، ولا سيما إذا وقع من محصن، وقد كان يجوز لزوجها أن يضيق عليها، ويمتنع من طلاقها حتى تسقط له مهرها أو بعضه، أمّا إذا كان طلقها من غير شرط فلها حقوق المطلقة، وإذا كان الطلاق رجعياً، فلها السكنى مدة العدة، أمّا إذا كان الطلاق بائناً أو انقضت عدتها من طلاق رجعي، فلا حقّ لها في السكنى ولا النفقة، وشقة الزوج له ليس للمرأة فيها حق، وأمّا مهرها: فلا يسقط بمجرد الزنا، قال ابن تيمية رحمه الله: ولهذا جاز للرجل إذا أتت امرأته بفاحشة مبينة أن يعضلها لتفتدي نفسها منه، وهو نص أحمد وغيره، لأنها بزناها طلبت الاختلاع منه وتعرضت لإفساد نكاحه، فإنه لا يمكنه المقام معها حتى تتوب، ولا يسقط المهر بمجرد زناها. اهـ
والواجب على أهل المرأة أن ينصحوها، ويبينوا لها شناعة المعصية التي ارتكبتها، ويطالبوها بالتوبة الصادقة، وعليهم أن يسدوا عليها أبواب الفتن، ويجنبوها مواطن الريب، ولا يجوز لهم إقامة الحدّ عليها، فإنّ الحدود والتعزيرات موكولة إلى الحاكم وليست إلى الأفراد، وليس من شرط التوبة أن يقام عليها الحد، بل الأصل هو الستر والاكتفاء بالتوبة بينها وبين الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:... أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ. رواه مالك في الموطأ.
قال ابن عبد البر رحمه الله:.. فيه أيضا ما يدل على أن الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا أتى فاحشة، وواجب ذلك عليه أيضا في غيره ما لم يكن سلطانا يقيم الحدود.
والله أعلم.