الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإطلاق القول بأن الأمن من مكر الله كبيرة من الكبائر، غير دقيق، بل الأمن من مكر الله قد يكون كبيرة، إذا نقص الخوف الواجب من قلب العبد، وبقي أصله، ويكون كفرًا إذا انعدم أصل الخوف من قلب العبد بالكلية.
فإذا أمن قلب المرء من مكر الله مطلقًا، قابله انعدام أصل الخوف من قلبه مطلقًا، فهما بمعنى واحد إذن، وكذلك إذا لم يأمن قلب المرء من مكر الله مطلقًا، فمعناه أن خوفه لم ينعدم من قلبه مطلقًا، يوضح ذلك جليًّا الشيخ صالح آل الشيخ -حفظه الله- في شرح العقيدة الطحاوية، عند قول الطحاوي -رحمه الله-: وَالْأَمْنُ، وَالْإِيَاسُ يَنْقُلَانِ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ، وَسَبِيلُ الْحَقِّ بَيْنَهُمَا لِأَهْلِ الْقِبْلَةِ.
فيقول شارحًا ذلك: الأمن يكون كُفْرًا إذا انعدم الخوف ... فمن كان عنده خوف قليل، ويأمن كثيرًا، فإنه من أهل الذّنوب، لا من أهل الكفر، فإن لم يكن معه خوف أصلًا، فإنه كافر بالله -عز وجل- كما قال هنا: (يَنْقُلَانِ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ).
أما أهل التوحيد، أهل الذنوب من أهل القبلة، فإنهم بِقَدْرِ ما عندهم من الذّنوب، يكون عندهم أَمْنْ من مكر الله - عز وجل -. فإذن الأمن من مكر الله يتبعَّضْ، لا يوجد جميعًا، ويذهب جميعًا؛ بل قد يكون في حق المعيَّنْ أنه يخاف تارة، ويأمن تارة، يصحو تارة، ويغفل تارة ... وأما المُوَحِّدْ المُعَيَّنْ من أهل الإيمان، فإنه بحسب قوة يقينه، يجتمع فيه أنَّهُ -يعني قد يكون عنده أَمْنْ بحسب ذنوبه-، ومن كَمَّلَ الإيمان، وحقَّقَ التوحيد، فإنه يخاف، ولا يأمَنُ من مكر الله.
والأمن من مكر الله؛ يعني الأمن من استدراج الله -عز وجل- للعباد، وقد وصف الله -عز وجل- بعض عباده بقوله: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ* وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ { الأعرف: 182-183}.
هذا الاستدراج يُحدِثُ الأمن، وما عُذِّبَتْ أمة إلا وقد أَمِنَتْ؛ لأنَّ الله -عز وجل- يبلوهم بالخيرات، ويبلوهم بالسيئات، ويبلوهم بالشر والخير فتنة، ثُمَّ هم لا يتوبون، ولا هم يَذَّكَّرُون، فإذا وقع منهم الأمن، وقعت عليهم العقوبة، نسأل الله -عز وجل- لنا ولإخواننا العفو، والعافية. فهذا ضابط المسألة. انتهى باختصار.
والله أعلم.