الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للزوج التضييق على زوجته بالقول، أو الفعل، ليحملها على طلب الطلاق، أو الافتداء منه بالخلع، لغير سبب مشروع؛ قال تعالى: وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}.
قال ابن قدامة في المغني: فأما إن عضل زوجته، وضارها بالضرب، والتضييق عليها، أو منعها حقوقها من النفقة، والقسم، ونحو ذلك؛ لتفتدي نفسها منه، ففعلت، فالخلع باطل، والعوض مردود، روي ذلك عن ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، والقاسم بن محمد، وعروة، وعمرو بن شعيب، وحميد بن عبد الرحمن، والزهري، وبه قال مالك، والثوري، وقتادة، والشافعي، وإسحاق... اهـ.
وإبطالهم الخلع في هذه الحالة، دليل على عظم مثل هذا التصرف من الزوج، ولو لم يترتب عليه الخلع.
ويجب على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، كما جاء الأمر بذلك في الآية السابقة، وعليه أن يؤدي إليها حقوقها، ولا يمنعها شيئًا منها لغير مبرر شرعي، وإن رأى من زوجته ما يكره، فليصبر، ويعمل على الإصلاح، فمن ذا الذي ما ساء قط، روى مسلم عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا، رَضِىَ مِنْهَا آخَرَ.
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: أَيْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضَهَا؛ لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَهُ، وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا بِأَنْ تَكُونَ شَرِسَةَ الْخُلُقِ، لَكِنَّهَا دَيِّنَةٌ, أَوْ جَمِيلَةٌ, أَوْ عَفِيفَةٌ, أَوْ رَفِيقَةٌ بِهِ, أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. اهـ.
وفي نهاية المطاف؛ إن لم يكن بالإمكان أن يجتمع الزوجان بالمعروف، فليكن بينهما الفراق بإحسان، حفظًا لما كان بينهما من عهد، وسابق عشرة، قال تعالى: وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {البقرة:237}.
والله أعلم.