الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد روى البخاري ومسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا. وزاد مسلم في روايته: وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخّصُ فِي شَيْءٍ مِمّا يَقُولُ النّاسُ كَذِبٌ إِلاّ فِي ثَلاَثٍ: الْحَرْبُ، وَالإِصْلاَحُ بَيْنَ النّاسِ، وَحَدِيثُ الرّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا. هذا من حيث الرواية. وأما من حيث الفقه فقد نقل الحافظ ابن حجر في الفتح اتفاق العلماء على أن المراد بالكذب في حق المرأة والرجل إنما هو في ما لا يسقط حقًّا عليه أو عليها، أو أخذ حقّ ما ليس له أو لها. وقد اختلف العلماء في المراد بالكذب في هذا الحديث، فذهب بعضهم إلى أن المراد حقيقة الكذب لكن بقصد الإصلاح، قالوا: لأن الكذب المذموم إنما هو ما فيه مضرة أو ما ليس فيه مصلحة. وقال آخرون: إن المراد بالكذب هنا التورية والتعريض بأن يأتي بكلمات محتملة يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه. ومثلوا لهذا في حق الرجل مع زوجته أن يعدها بأن يحسن إليها ويكسوها وينوي إن قدر الله ذلك. وقد نقل هذا الخلاف الحافظ في الفتح و النووي في شرحه على مسلم ، ثم قال النووي بعده: وأما كذبه لزوجته وكذبها له فالمراد به في إظهار الود والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك، فأما المخادعة في منع ما عليه أو عليها، أو أخذ ما ليس له أو لها، فهو حرام بإجماع المسلمين، والله أعلم. اهـ فتبين بهذا المقصود بالكذب، وأنه ما تتحقق به المصلحة الشرعية من حسن العشرة، ووجوب الود والمحبة،لا ما يتبادر إلى الأذهان من الإطلاق. والله أعلم.