الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث الطويل المشتمل على دعاء لحفظ القرآن الكريم، رواه الترمذي، والحاكم في المستدرك، وهو حديث موضوع، لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يشرع التعبد بما فيه، لا سيما مع تضمنه لصلاة غريبة، ليس لها نظير في الصلوات المشروعة الثابتة، قال الإمام الذهبي -رحمه الله- في تعليقه على المستدرك: هذا حديث منكر شاذ. وقال في سير أعلام النبلاء في ترجمة الوليد بن مسلم: قلت: أنكر ما له، حديث رواه عثمان بن سعيد الدارمي … وساق الحديث بتمامه. ثم قال: قلت: هذا عندي موضوع. والسلام.
وممن حكم بوضعه العلامة الألباني -رحمه الله- في ضعيف الترمذي.
والحديث الموضوع لا يعمل به في فضائل الأعمال، ولا غيرها، ولا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما سبق.
ومما يجب معرفته في هذا المقام أن العبادة مبناها على التوقيف، فلا يُعبد الله، إلا بما شرعه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
وليس لأحد أن يستحسن عبادة، لم تثبت عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.
ومما دأب عليه أهل البدع: إشغال المسلمين بأذكار، وصلوات، وأدعية، يحددون لها أعدادًا معينة، ويختارون لها أوقاتًا، وكيفيات، لم تثبت في الشريعة، وهذا من تزيين الشيطان لهم سوء أعمالهم، فإن في السنة الصحيحة غنية، وكفاية؛ لمن أنعم الله عليهم بالهداية، وعرفوا قدر السنة، وحذروا من الوقوع في البدعة، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم.
ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الغاية في الاتباع، والحرص على الخير، أن اخترع ذكرًا، أو دعاء، أو صلاة بعدد معين، في وقت معين، ولا شك أن العدول عن طريقهم باب إلى الخسران، قال حذيفة -رضي الله عنه-: كل عبادة لم يتعبدها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تعبدوها، فإن الأول لم يدع للآخر مقالًا، فاتقوا الله -يا معشر القراء-، وخذوا طريق من كان قبلكم.
وجاء عنهم، وعمن بعدهم من الأئمة إنكار كثير من الأمور المبتدعة، التي يستحسن أمثالها مبتدعة زماننا، زاعمين أنها من البدع الحسنة، فهذا مجاهد -رحمه الله- يقول: كنت مع ابن عمر، فثوّب رجل في الظهر والعصر، فقال: اخرج بنا، فإن هذه بدعة. والتثويب هو: الوقوف عند باب المسجد، والمناداة: الصلاة الصلاة.
وروى محمد بن وضاح أن الناس اجتمعوا بعد العصر من يوم عرفة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يدعون، فخرج نافع مولى ابن عمر، فقال: يا أيها الناس، إن الذي أنتم فيه بدعة، وليست سنة، أدركت الناس لا يصنعون هذا. وأخرج عبد الرزاق في مصنفه أن سعيد بن المسيب -رحمه الله- رأى رجلًا، يكرر الركوع بعد طلوع الفجر، فنهاه، فقال: يا أبا محمد، أيعذبني الله على الصلاة؟ قال: لا، ولكن يعذبك على خلاف السنة.
ومما بين الشاطبي -رحمه الله- دخوله في حد البدعة: التزام الكيفيات، والهيئات المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا، وما أشبه ذلك.
ومنها: التزام العبادات المعينة في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته. انتهى. نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه، ويرضاه.
والله أعلم.