الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على غيرتك على محارم الله تعالى، ونحسب أن هذا دليل إيمان، فلا خير فيمن لا يغار على المحارم، نسأل الله عز وجل أن يجزيك خيرا.
وإذا كانت أخواتك يخرجن وعلى وجوههن شيء من الزينة، فيجب عليهن ستر وجوههن في هذه الحالة، ولا تعلق لذلك بالخلاف الوارد في حكم تغطية الوجه، فإن ذلك من الزينة التي أمر الله عز وجل بسترها.
قال الطاهر بن عاشور عند تفسيره قوله تعالى: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {النور:60}: التبرج بالزينة: التحلي بما ليس من العادة التحلي به في الظاهر، من تحمير وتبييض، وكذلك الألوان النادرة. اهـ.
وإذا كان هذا في حق القواعد من النساء، فغيرهن أولى بالمنع. وبما أنك قد اطلعت منهن على هذا الفعل المنكر، فالأولى أن يكون منك النصح لهن، وإضافة إلى الإنكار عليهن، احرص على ما قد يكون سببا لزيادة إيمانهن، فإن الإيمان إذا استقر في القلب، سهلت الاستجابة لأمر الله عز وجل. فإن انتفعن بنصحك وانتهين، فالحمد لله، وإلا فهددهن بإخبار أبيك، عسى أن يكون ذلك رادعا لهن، فإن تم ذلك، فهو المطلوب، وإلا فأخبر أباك بالأمر.
وأبوك هو وليهن، فيجب عليه أن ينكر عليهن هذا التصرف، ويكون حازما معهن، ويأمرهن بالستر، ويمنعهن من الخروج على ذلك الحال، فإنهن أمانة عنده، يُسأل عنها أمام الله يوم القيامة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6}.
قال الشيخ السعدي: أولادكم -يا معشر الوالدين- عندكم ودائع، قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية، فتعلمونهم، وتؤدبونهم وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله، وملازمة التقوى على الدوام، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ. فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. اهـ.
وكون أبيك قد يقسو عليهن، أو لا يقسو، ليس بمانع شرعا من إخباره إن اقتضى الأمر ذلك، ثم إن القسوة قد تكون مطلوبة أحيانا، ورحم الله من قال:
فقسا ليزدجروا, ومَن يكُ حازمًا فليقسُ أحيانًا على من يرحم
وقد وردت نصوص كثيرة تدل على فضل التمسك بالدين، وعظم الأجر في ذلك، وخاصة عند فساد الزمان وغربة الدين، راجع فيها الفتوى رقم: 125470.
وبخصوص فترة الشباب خاصة، انظر الفتوى رقم: 197215. وروى أحمد عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل ليعجب من الشاب ليست له صبوة.
قال المناوي شارحا للحديث: إن الله تعالى ليعجب من الشابّ أي يعظم قدره عنده، فيجزل له أجره لكونه ليست له صبوة. أي ميل إلى الهوى، لحسن اعتياده للخير، وقوّة عزيمته في البعد عن الشر في حال الشباب، الذي هو مظنة لضدّ ذلك. اهـ. فيض القدير للمناوي.
والله أعلم.