الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما أسمته هذه المرأة التدرج في امتثال أمر الله عز وجل من الستر الواجب وغيره ليس هو التدرج الذي يتكلم عنه العلماء، وإنما هو في الحقيقة تهاون بالأوامر وتكاسل في امتثالها.
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء سؤالا يتعلق بالتدرج في الالتزام بالأحكام، جاء فيه: ما الفرق بين التدرج في تحريم الخمر والأمر بالجهاد، حيث إننا مطالبون بآخر نهي في الخمر، ومطالبون بالاستطاعة في الجهاد؟
فأجابت: بعد اكتمال الدين واستقرار أحكام الشريعة بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أحكام الإسلام تؤخذ بجملتها، ولا يجوز التدرج في الانقياد لأحكامها، كما كان ذلك في أول الإسلام، فالخمر مثلا يجب على كل مسلم أن يعتقد تحريم شربها ابتداء، ومن اعتقد غير ذلك -وهو عالم بتحريمها- فهو مرتد؛ لجحده ما هو معلوم تحريمه بالضرورة من دين الإسلام، وبالأدلة الشرعية، وإجماع أهل العلم. وأما الأوامر الشرعية فإن التكليف بها في الإسلام منوط باستطاعة المكلف، فلا يجب على المكلف من الأعمال ما لا يقدر عليه، أو يسبب له مشقة وحرجا، وكل مسألة بحسبها، فالجهاد مثلا وجوبه على الشخص، وكذلك وجوبه في الأحوال العامة، كل ذلك على درجات حسب البواعث والأحوال، ولا يقال إن هذا من باب التدرج في التشريع، وقد قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه. اهـ.
وهذا المعنى الأخير هو الذي دلت عليه النصوص المذكورة في نهاية السؤال، فلا علاقة لها بأمر التدرج، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قوله: وقاربوا، أي لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال، فتتركوا العمل فتفرطوا. اهـ.
والله أعلم.