الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس الأمر هكذا على إطلاقه، وإنما حرمة ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، متعلقة أولا بالقدرة على ذلك، ثم بتعينه على مكلف بعينه، وهذا ما ذكرناه قبل ذلك، كما في الفتوى رقم: 112141 وما أحيل عليه فيها.
فالأمر والنهي ليس من فروض الأعيان، وإنما هو من فروض الكفايات، وقد يتعين في بعض الحالات، كما أشرنا إليه، مع ذكر ضوابط إنكار المنكر في الفتوى رقم: 130218.
وقال ابن حجر الهيتمي في (الزواجر عن اقتراف الكبائر): وجوب الأمر والنهي يعم كل مكلف من حر، وقن، وذكر وأنثى، لكنه وجوب على الكفاية؛ لقوله تبارك وتعالى: {ولتكن منكم أمة} [آل عمران: 104] إلخ، إذ لو كان فرض عين لقال: ولتكونوا. نعم، قد يكون فرض عين، كما إذا كان بمحل لا يعلمه غيره، أو لا يقدر عليه غيره. ثم فرض الكفاية هو الذي إذا قام به واحد حاز ثوابه، وأسقط الحرج عن الباقين. اهـ.
وأما كون ترك ذلك كبيرة من الكبائر، فهذا من حيث الجملة، وقد ذكر ابن حجر الكلام السابق في الفصل الذي عقده لعدِّ هذه الكبيرة.
فقال: ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، مع القدرة بأن أمن على نفسه، ونحو ماله .. اهـ.
وأما التفصيل، فيكون بحسب المعروف والمنكر ذاتهما، فيكون كبيرة في ترك النهي عن الكبائر، وصغيرة في ترك النهي عن الصغائر، وكذلك الحال في المأمور به من أنواع المعروف.
جاء في (الزواجر): قال بعض المتأخرين: ينبغي أن يفصل في النهي عن المنكر، فيقال: إن كان كبيرة، فالسكوت عليه مع إمكان دفعه كبيرة، وإن كان صغيرة، فالسكوت عليه صغيرة. ويقاس ترك المأمور بها إذا قلنا إن الواجبات تتفاوت، وهو الظاهر. اهـ.
والله أعلم.