الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا الجواب عن مثل هذا، في عدة فتاوى، منها الفتوى رقم: 137308 وما أحيل عليه فيها.
ومنها يعرف مكانة المحدثين عامة، والبخاري ومسلم خاصة، ولذلك تلقت الأمة ما أسنداه في كتابيهما بالقبول.
قال النووي في شرح مسلم: اتفق العلماء على أن أصح الكتب بعد القرآن الكريم الصحيحان: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول. اهـ.
وهذا الاتفاق يؤكد موثوقية الصحيحين، وحجتهما. وبهذا يعرف أنه لا حرج على من قال: (أنا أؤمن بالبخاري) بالمعنى المذكور في السؤال، فإنه حق وصدق.
وأما مسألة الجهد البشري، وتعرضه للخطأ، فهذا أمر لا ينكر، ولكن الحال هنا يختلف، فالمسألة من ناحية مسألة نقل ورواية، وليست رأيا واجتهادا، ومن ناحية أخرى مسألة اتفاق الأمة على الاحتجاج بأحاديث الصحيحين بعد النقد والتحري والتقصي في البحث على مر العصور، بما نتج عنه أحاديث يسيرة معدودة انتقدت عليهما، وراجعي في ذلك الفتويين: 35370، 134033. وهذا يدل على أن قبول العلماء واحتجاجهم بأحاديث الصحيحين، جاءت بعد سبر وبحث، وتقصٍّ، وتحرٍّ يطمئن له القلب، وتسكن إليه النفس. ولا يصح بحال من الأحوال إهمال هذا الجهد العلمي الممتد عبر القرون، وتخطيه بمجرد التوهم والشبهة!
وأما وجود من ينتسب للعلم في هذه الأيام، وينشر ما يتعارض مع الإسلام وينسبونه للدين! فهذا وإن وجد، لا يعني عدم وجود علماء ربانيين، هداة مهتدين، ينفون عن العلم تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين! وأهل الحديث والأثر المعتنون بالسنة رواية ودراية، هم أسعد الناس بذلك، وأولاهم به. ولهم حظ وافر من قوله تعالى: وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الأعراف: 181].
ثم إننا ننبه على أن هذا المسلك المذكور في السؤال مؤداه: هدم شرائع الدين ومعالم الملة؛ لأن ذلك إنما يعتمد على النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هدمت الأصول العلمية للرواية، وطعن في ثقات الرواة، لم يبق للنقل سبيل!
والله أعلم.