الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالعلماء -رحمهم الله- مختلفون في نقل الميت بعد دفنه هل يجوز أو لا؟ فمنهم من منعه مطلقًا، ومنهم من جوزه لضرورة، ومنهم من جوزه لمطلق المصلحة، جاء في الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمَيِّتِ مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ بَعْدَ الدَّفْنِ مُطْلَقًا. وَأَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ بِجَوَازِهِ، إلَّا أَنَّ ابْنَ عَابِدِينَ رَدَّهُ، فَقَالَ نَقْلًا عَنْ الْفَتْحِ: اتِّفَاقُ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ فِي امْرَأَةٍ دُفِنَ ابْنُهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ فِي غَيْرِ بَلَدِهَا، فَلَمْ تَصْبِرْ، وَأَرَادَتْ نَقْلَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسَعُهَا ذَلِكَ، فَتَجْوِيزُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ.
وَأَمَّا نَقْلُ يَعْقُوبَ، وَيُوسُفَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مِنْ مِصْرَ إلَى الشَّامِ؛ لِيَكُونَا مَعَ آبَائِهِمَا الْكِرَامِ، فَهُوَ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَلَمْ يَتَوَفَّرْ فِيهِ شُرُوطُ كونه شرعًا لنا....
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ نَقْلُ الْمَيِّتِ قَبْلَ الدَّفْنِ، وَكَذَا بَعْدَهُ مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ بِشُرُوطٍ هِيَ:
- أَنْ لَا يَنْفَجِرَ حَالَ نَقْلِهِ
- أَنْ لَا تُنْتَهَكَ حُرْمَتُهُ
- وَأَنْ يَكُونَ لِمَصْلَحَةٍ، كَأَنْ يَخَافَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَهُ الْبَحْرُ، أَوْ تُرْجَى بَرَكَةُ الْمَوْضِعِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ، أَوْ لِيُدْفَنَ بَيْنَ أَهْلِهِ، أَوْ لِأَجْلِ قُرْبِ زِيَارَةِ أَهْلِهِ، أَوْ دَفْنِ مَنْ أَسْلَمَ بِمَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ، فَيُتَدَارَكُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْهَا، وَدَفْنِهِ فِي مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ تَخَلَّفَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ، كَانَ النَّقْلُ حَرَامًا. انتهى.
وبما ذكرناه تعلم أنه لا حرج عليك في نقل زوجتك من القبر الذي دفنت فيه -عند المالكية- بقصد أن تدفن حيث أهلها، ومن يزورها عن قرب. وأما عند غيرهم، فلا يجوز ذلك.
ولم يتضح لنا قولك: إن دفنها ليس على الشريعة الإسلامية، والظاهر أنه وهم منك، فإن الظاهر أن المسلمين لا يدفنون ميتًا إلا على وفق الشريعة، ولو بينت وجه كون دفنها على خلاف الشريعة من وجهة نظرك، لنبين لك حكم ذلك، لكان حسنًا.
وإن كنت قصدت أنها دفنت في قبر غير مشروع؛ لكونه مبنيًّا عليه، ونحو ذلك، فهذا لا يسوغ نقلها فيما نرى، وإنما المشروع تسوية هذا القبر -إن أمكن-، وإن عجز عن ذلك، فالله لا يكلف نفسًا إلا وسعها.
والله أعلم.