الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الوازع الديني هو الرقيب الداخلي الذي يحمل المرء على امتثال ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه، وهذا هو عين التقوى. وأثر الوازع الديني على الشباب لا يختلف عن أثره على الإنسان في عمومه إلا في ما يختص به الشباب من قوة في العاطفة وحدة في الانفعال وتذبذب في المواقف وقابلية للتكيف. ولا يكاد يوجد في الدين الإسلامي أثر للوازع الديني يختص بالشاب إلا في كونه من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل وشاب نشأ في عبادة الله.... متفق عليه. قال ابن حجر العسقلاني: خص الشاب لكونه مظنة غلبة الشهوة لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى، فإن ملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى. انظر فتح الباري 2/145. وبما أننا لا نتناول الموضوع من المنظار الفلسفي ولا السوسيولوجي، ولا من الجانب السيكولوجي ولا الفيزيولوجي، لأنها مجالات لا تدخل في إطار اختصاصنا، فإننا سوف نتوسع فيه حتى يشمل الآثار والثمرات التي جعلها الله تعالى لعباده المتقين، ونقسم ذلك إلى آثار عاجلة (أي في الحياة الدنيا) وآثار مدخرة لتكون جزاء في الآخرة. - الآثار العاجلة: الأثر الأول: المخرج من كل ضيق والرزق من حيث لا يحتسب، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]. قال ابن عباس ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة... وقال أبو سعيد الخدري: ومن يبرأ من حوله وقوته بالرجوع إلى الله يجعل له مخرجاً مما كلفه بالمعونه له. الجامع لأحكام القرآن 18/143. الأثر الثاني: السهولة واليسر في الأمور، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4]، قال سيد قطب: واليسر في الأمر غاية ما يرجوه الإنسان، وإنها لنعمة كبرى أن يجعل الله الأمور ميسرة لعبد من عباده، فلا عنت ولا مشقة ولا عسر ولا ضيقة. في ظلال القرآن 3602. الأثر الثالث: تيسر تعلم العلم النافع، قال الله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282]، قال محمد رشيد رضا: أي اتقوا الله في جميع ما أمركم به ونهاكم عنه، وهو يعلمكم ما فيه قيام مصالحكم وحفظ أموالكم وتقوية رابطتكم، فإنكم لولا هدايته لا تعلمون ذلك. انظر كتاب التقوى: الغاية المنشودة والدرة المفقودة ص69. الأثر الرابع: إطلاق نور البصيرة، قال الله تعالى: إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً [الأنفال:29]، : وإذا علمت أن التقوى عمل يتوقف على العلم، وأن هذا العلم لا بد أن يؤخذ بالتعليم والتلقي، وأن العمل بالعلم من أسباب المزيد فيه وخروجه من مضيق الإبهام والإجمال إلى فضاء الجلال والتفصيل فهمت المراد بالفرقان على عمومه.... من تفسير المنار 3/129. الأثر الخامس: محبة الله والقبول في الأرض، قال الله تعالى: بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [آل عمران:76]. وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحب الله العبد قال لجبريل: قد أحببت فلاناً فأحبه فيحبه جبريل عليه السلام، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله قد أحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض. وعن هرم بن حيان قال: ما أقبل العبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين عليه حتى يرزقه مودتهم، فقد وعد الله عز وجل عباده... بهذه المودة، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً [مريم:96]. التقوى ص71. الأثر السادس: البشرى وهي الرؤيا الصالحة وثناء الخلق ومحبتهم، قال الله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس:62-63-64]. أخرج الترمذي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هي الرؤيا الصالحة يراها أو تُرى له. ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ذهبت النبوة وبقيت المبشرات. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن أم حرز الكعبية. الأثر السابع: الحفظ من كيد الأعداء ومكرهم، قال الله تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120]. قال الزمخشري: وإن تصبروا على عداوتهم وتتقوا ما نهيتكم عنه من موالاتهم، أو وإن تصبروا على تكاليف الدين ومشاقه، وتتقوا الله في اجتنابكم محارمه كنتم في كنف الله، فلا يضركم كيدهم. الكشاف 1/408. الأثر الثامن: سبب لقبول الأعمال التي بها السعادة في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]. الأثر التاسع: سبب في النجاة من عذاب الدنيا، قال الله تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ* وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [فصلت:17-18]. الأثر العاشر: الشرف وهيبة الخلق وحلاوة المعرفة والإيمان، قال ابن رجب رحمه الله: مما يرغب في شرف الآخرة وليس هو من قدرة العبد ولكنه من فضل الله ورحمته، ما يعوض الله عباده العارفين به الزاهدين في ما يغني من المال والشرف مما يجعله الله لهم في الدنيا من شرف التقوى وهيبة الخلق لهم في الظاهر، ومن حلاوة المعرفة والإيمان والطاعة في الباطن وهي الحياة الطيبة التي وعدها الله: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97]، وهذه الحياة الطيبة لم يذقها الملوك في الدنيا ولا أهل الرئاسات والحرص على الشرف. التقوى ص80. الأثر الحادي عشر: الثبات في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [ابراهيم:27]. الأثر الثاني عشر: البشارة عند الموت، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ* نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [فصلت:31]. هذه بعض الآثار والثمرات التي يجنيها المؤمن في الدنيا بعبادته وتقواه، ولننتقل إلى الآثار والثمرات المدخرة له في الحياة الآخروية. الآثار الآجلة: الأثر الأول: تكفير السيئات وعظم الأجر، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً [الطلاق:5]، قال ابن جرير رحمه الله: ومن يخف الله فيتقه باجتناب معاصيه وأداء فرائضه، يمحو الله عنه ذنوبه وسيئات أعماله، ويعظم له أجرا، يقول: ويجزل له الثواب على عمله ذلك وتقواه، ومن إعظامه له الأجر أن يدخله جنته فيخلده فيها. جامع البيان في تفسير القرآن 12/93، وقال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [المائدة:65]. الأثر الثاني: ميراث الجنة، قال الله تعالى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً [مريم:63]، وقال الله تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]. وقال الله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ [الطور:17]. الأثر الثالث: ذهابهم إلى الرحمن ركبانا، قال الله تعالى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً [مريم:85]. قال ابن كثير: يخبر الله تعالى عن أوليائه المتقين الذين خافوه في الدار الدنيا واتبعوا رسله وصدقوهم في ما أخبروهم، وأطاعوهم في ما أمروهم به، وانتهوا عما زجروهم، أنه يحشرهم يوم القيامة وفدا إليه والوفد هم القادمون ركباناً. 3/137. الأثر الرابع: حصولهم على أفضل النعيم، قال الله تعالى: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً [النبأ:31]، وقال: هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ [صّ:49]، وقال الله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55]. الأثر الخامس: عدم تحول الصداقة بينهم عداوة، قال الله تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67]، وقال الله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ* وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:45-46-47]. وصفوة القول: إن أثر الوازع الديني في الدنيا سعة ورزق وسهولة ويسر، وعلم ونفاذ بصيرة، وصحبة وقبول، وبشارة وحفظ، وسعادة ونجاة، وشرف وثبات، وهو في الآخرة: أجور وتكفير سيئات، وجنات ونعيم، وتكريم وخلود....
والله أعلم.